والظاهر أنه المراد مما نقل عن العلامة النائيني (قدس سره) من " أن الوجوب حكم عقلي، بمعنى أن العبد لابد وأن ينبعث عن بعث المولى، إلا أن يرد منه الترخيص، فإذا قال المولى مولويا: " افعل " تصل النوبة إلى حكم العقل من لزوم انبعاث العبد عن بعث المولى، قال: ولا نعني بالوجوب سوى ذلك " (1).
فمراده (قدس سره) من كونه حكما عقليا: ما ذكرناه من أن بعث المولى وطلبه حجة عقلائية على العبد ما لم يرد دليل على الترخيص.
لكنه أورد عليه الشهيد السعيد المحقق الصدر (قدس سره):
أولا: بأن لازمه أنه لو لم يرد ترخيص من المولى في الترك لكن المكلف اطلع على أن ملاك طلبه غير لزومي، فلازمه أن لا يجوز ترك الامتثال مع أنه لا ريب في جوازه.
وثانيا: أنه إذا كان لنا عام دال على الإباحة وورد في بعض مصاديقه أمر بالصيغة، فلازم البيان المذكور أن لا يجب الامتثال، لأن العموم المذكور ترخيص في مورده، مع أن بناء الأصحاب على تخصيص العام به.
وثالثا: أنه إذا كان الوجوب معلقا على عدم ورده الترخيص، فإن أريد به الترخيص المتصل لزم كون ورود الترخيص المنفصل منافيا لحكم العقل المزبور، وهو واضح البطلان. وإن أريد به عدم وروده واقعا فلازمه أن لا يحرز الوجوب مع احتمال وروده واقعا. وإن أريد به عدم إحراز الترخيص لزم اختصاص الحكم الواقعي بالعالم به، مع أنه مشترك بين العالم والجاهل (2).
أقول: والشبهات كلها قابلة للدفع:
أما الأولى: فلأنه لا ريب أن غاية حكم العقلاء بحجية البعث أعم من الترخيص الإنشائي أو ما هو بحكمه ولا ريب أن العلم بأن الملاك غير لزومي بحكم ورود الترخيص إذ لا ريب معه في أنه لو سئل المولى لأجاب بالترخيص.