بالمتأخر (1).
فمرجعه إلى ما عن سيدنا الأستاذ المتقدم: من أن التمايز بالمحمولات، إلا أنه لم نقدر على تصديقه، فإن السنخية المذكورة توجد أيضا - ولو بمرتبة نازلة في الجملة - بين مسائل النحو ومسائل الصرف. كما أن سنخية آكد وأشد توجد بين مسائل باب المرفوعات لا توجد بهذه المرتبة بينها وبين مسائل باب المنصوبات ... وهكذا، فالمعين للمقدار الكافي من السنخية لتدوين علم واحد إنما هو وحدة الغرض العقلائي من العلم.
وأما ما أفاده من استلزام التميز بالأغراض لتقدم ما هو المتأخر ففيه:
أولا: أن المتقدم على الغرض هو نفس المسائل المتشتتة وإن لم تنصبغ بصبغ العلم الواحد، والمتأخر هو صبغة العلم الواحد، فلا محذور.
وثانيا: أن الوجود الذهني للغرض كاف في توحيد تلك المسائل تحت لواء علم واحد، والمتأخر عن المسائل إنما هو الغرض بوجوده الخارجي، فاختلف المتقدم والمتأخر واندفع المحذور.
فبالجملة: فمع غمض العين عن وحدة الغرض لا يكفي نفس السنخية في تدوين علم واحد من مسائل متشتتة متسانخة، من دون فرق في ذلك (2) بين العلوم التي يكون الغرض منها أمرا مترتبا على عرفان قواعدها، والعلوم التي يكون الغرض منها مجرد عرفانها، فإن نفس العرفان أيضا إذا كان غرضا عقلائيا فبملاحظته وفى حدود موارده يدون علم واحد تمتاز مسائله عن غيره.
هذا، مضافا إلى الإشكال في التصديق بوجود علم يكون الغرض منه مجرد عرفان مسائله، فإن الفلسفة الأولى يترتب على العلم بها عدم الوقوع في خطأ وأخذ ما ليس بموجود مكان الموجود كما أن علم الجغرافيا يوجب اقتدار العالم على أن يعامل أهل كل إقليم بما هو المناسب لهم.