وعمدة الأدلة كما يأتي بناء العقلاء الممضى قطعا من قبل الشارع، ولعل في أمثال آيتي النفر وسؤال أهل الذكر، ما يكفي لاثبات ذلك الامضاء.
والظاهر أن بناء العقلاء، إنما يفرق بين خصوص القادر على اعمال ملكته وعدمه.
فالقادر على اعمالها لسعة الوقت وتوفر أدوات البحث، لا يرى معذرا له في ترك اعمالها لعدم انطباق عنوان الجاهل عليه، وهو إنما يقر رجوع الجاهل إلى العالم لا غير.
ولكنه يجيز لغير القادر ذلك، فالطبيب الذي يصاب ببعض العوارض ويخشى على نفسه من فوات الفرصة فيما لو أراد أن يعمل ملكته لفقده بعض أدوات عمله، يرجع عادة إلى استشارة طبيب آخر يثق بمعارفه.
وهكذا بالنسبة إلى المتدرج في إعمال ملكته، ولنفرضه جديد عهد بالملكة.
فلو قدر لمثل هذا أن لا يصدر إلا عن هذه الملكة، لتعذر عليه استيعاب جميع تكاليفه وبخاصة إذا كان هو لا يرى جواز الاحتياط في بعض المسائل، أو كانت مما يتعذر فيها الاحتياط.
فالذي يقتضيه بناء العقلاء على هذا الرجوع إلى الغير لتحصيل المؤمن فيما يقدم عليه أو يتركه من اعمال.
وممن اختار هذا التفصيل المحقق القمي صاحب القوانين المحكمة حيث قال - بعد أن عرض رأي المانعين مطلقا -: (ودليل المانع وجوب العمل بظنه، إذا كان له طريق إليه اجماعا، خرج العامي بالدليل وبقي الباقي، (وفيه) منع الاجماع فيما نحن فيه، ومنع التمكن من الظن مع ضيق الوقت، فظهر ان الأقوى الجواز مع التضييق، واختصاص