والذي عليه من نعرف من محققي الشيعة عدم دلالته على أكثر من الإباحة بالمعنى العام لا الإباحة في مقابل الوجوب والحرمة باستثناء ما كان قريبا منه، لان التقرب يصلح للقرينية على رجحان ما أتى به، ولا يعين نوعه من وجوب أو استحباب إذ لا معنى للتقرب بالمكروه أو المباح.
وعمدة ما يصلح للدليلية لهم هو كون الفعل مجملا بنفسه لا لسان له ليتعبد بمقتضى ما يدل عليه لسانه، وغاية ما تدل عليه أدلة العصمة أن المعصوم لا يرتكب الذنب، فمجرد صدور الفعل منه، يدل على أن ما أتى به ليس بمحرم عليه وإنما هو مباح بالمعنى الأعم للإباحة، وأوامر الاقتداء به تدل على مشاركتنا له في جميع الاحكام إلا ما كان من مختصاته، فهو إذن مباح لنا أيضا، ودعوى أن النبي صلى الله عليه وآله لا يصدر منه إلا ما كان راجحا، فلا يعمل المكروه ولا المباحات مع توفر العناوين الثانوية التي يمكن أن تحول ما كان مباحا بالأصل إلى مستحب بالعنوان الثانوي - وإن كان مما يقتضيها مقام النبوة - إلا أن أدلة العصمة لا تلزم بها أصلا.
واستدلال بعضهم على الوجوب علينا بأوامر الاقتداء - الدالة على لزوم متابعته صلى الله عليه وآله في كل ما يفعله حتى المباحات حيث تتحول مباحاته إلى واجبات في حقنا بحكم لزوم المتابعة - لا يخلو من غرابة لان أوامر الاقتداء لا تقتضي أكثر من الاتيان بالأفعال على الوجه الذي أتى به، فإذا افترضناها مباحة أو مستحبة، فتحويلها إلى الوجوب في حقنا ينافي طبيعة الاقتداء والالتزام بما التزم به الرسول صلى الله عليه وآله لان معنى اقتدائنا به في المباحات، هو كوننا مخيرين بين الفعل والترك كما هو مخير بينهما، فاضفاء صفة الوجوب عليها، ينهي بنا إلى الخلف طبعا.