وأما الكلام في الدعوى الثالثة - وهي: كون المقام داخلا في كبرى قاعدة وجوب رد مال الغير إلى مالكه - فقد ذكر (قدس سره): أنه بعد بطلان دخول المقام في كبرى قاعدة أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار بالوجوه المتقدمة من ناحية وبطلان بقية الأقوال من ناحية أخرى لا مناص من الالتزام بكونه داخلا في موضوع قاعدة وجوب رد المال إلى مالكه، ببيان: أنه كما يجب رد المغصوب إلى صاحبه في غير هذا المقام يجب رده إلى مالكه هنا أيضا، وهو يتحقق هنا بالخروج فإذا يكون الخروج مصداقا للتخلية بين المال ومالكه في غير المنقولات، فيكون واجبا - لا محالة - عقلا وشرعا، كما أن البقاء فيها على أنحائه محرم.
والوجه في ذلك: هو أن الاضطرار متعلق بمطلق الكون في الدار المغصوبة الجامع بين البقاء والخروج، لا بخصوص البقاء لتسقط حرمته، ولا بخصوص الخروج ليسقط وجوبه، ضرورة أن ما هو خارج عن قدرة المكلف إنما هو ترك مطلق الكون فيها بمقدار أقل زمان يمكن فيه الخروج، لا كل منهما، ولأجل ذلك لا يمكن النهي عن مطلق الكون فيها، ولكن يمكن النهي عن البقاء فيها بشتى أنحائه، لأن المفروض أنه مقدور للمكلف فعلا وتركا، ومعه لا مانع من تعلق النهي به بالفعل أصلا.
ومن هنا قلنا: إن البقاء - وهو التصرف فيها بغير الحركة الخروجية - محرم، ولا تسقط حرمته من ناحية الاضطرار، لفرض عدم تعلقه به، والخروج بما أنه مصداق للتخلية بين المال وصاحبه فلا محالة يكون واجبا شرعا، وعليه، فيكون المقام من الاضطرار إلى مطلق التصرف في مال الغير يكون بعض أفراده واجبا وبعضها الآخر محرما، نظير: ما إذا اضطر المكلف لرفع عطشه - مثلا - إلى شرب الماء الجامع بين الماء النجس والطاهر، فإنه لا يوجب سقوط الحرمة عن شرب النجس، لفرض عدم الاضطرار إليه، بل هو باق على حرمته ووجوب الاجتناب عنه.
وعلى الجملة: فالخروج واجب بحكم الشرع والعقل من ناحية دخوله في كبرى تلك القاعدة، أعني: قاعدة وجوب التخلية بين المال ومالكه، وامتناع كونه