أما الدعوى الأولى: فقد أفاد (1) (قدس سره): أنه يكفي لإثباتها بطلان القولين السابقين، أعني: القول بكون الخروج واجبا وحراما فعلا، والقول بكونه واجبا فعلا وحراما بالنهي السابق الساقط بالاضطرار أو نحوه. وقد تقدم بطلان كلا القولين.
أما القول الأول: فلاستحالة كون شئ واحد واجبا وحراما معا.
ودعوى: أن الخطاب التحريمي في المقام خطاب تسجيلي، والغرض منه تصحيح عقاب العبد، وليس خطابا حقيقيا كما هو الحال في الخطابات المتوجهة إلى العصاة مع علم الآمر بعدم تحقق الإطاعة منهم خاطئة جدا، وذلك لأنه لا معنى للخطاب التسجيلي، فإن العبد إن كان مستحقا للعقاب بواسطة مخالفة أمر المولى أو نهيه مع قطع النظر عن هذا الخطاب فيكون هذا الخطاب لغوا ولا فائدة له أصلا، ومن المعلوم أن صدور اللغو من الحكيم محال وإن لم يكن مستحقا له في نفسه مع قطع النظر عنه، فكيف يمكن خطابه بهذا الداعي - أي: بداعي العقاب - مع عدم قدرته على امتثاله؟ ضرورة أن هذا تعد من المولى على عبده وظلم منه.
فإذا لا يمكن الالتزام بالخطاب التسجيلي، وأما خطاب العصاة مع العلم بعدم تحقق الإطاعة منهم فهو خطاب حقيقي، بداهة أنه لا يعتبر في صحة الخطاب الحقيقي إلا إمكان انبعاث المكلف أو انزجاره في الخارج، وهذا المعنى متحقق في موارد تكليف العصاة على الفرض، فإن العصيان إنما هو باختيارهم، فإذا قياس المقام بخطاب العصاة قياس مع الفارق. وكيف كان، فلا شبهة في بطلان هذا القول.
وأما القول الثاني: فقد عرفت امتناع تعلق الحكمين بفعل واحد في زمان واحد ولو كان زمان تعلق الإيجاب مغايرا لزمان تعلق التحريم، لما ذكرناه: من أن ملاك الاستحالة والإمكان إنما هو بوحدة زمان المتعلق وتعدده، لا بوحدة زمان الإيجاب والتحريم وتعدده كما تقدم ذلك بشكل واضح.