وباعتبار آخر منشأ لانتزاع الآخر، أو ينتزع كل منهما من موجود مباين لما ينتزع منه الآخر؟
فعلى الأول: لا محالة يكون التركيب بينهما اتحاديا، لفرض أن منشأ انتزاعهما واحد في الخارج وجودا وماهية من ناحية، وعدم تعلق الحكم بالعنوان الانتزاعي بما هو من ناحية أخرى. وعليه، فلا مناص من القول بالامتناع، ضرورة استحالة أن يكون شئ واحد مصداقا للمأمور به والمنهي عنه معا ومحبوبا ومبغوضا.
وعلى الثاني: فلا محالة يكون التركيب بينهما في مورد الاجتماع انضماميا، وذلك لاستحالة التركيب الحقيقي بين الموجودين المتباينين، سواء أكانا من مقولة واحدة أم من مقولتين.
وبتعبير آخر: أن العنوانين إذا كان كلاهما انتزاعيا فلا يخلوان: من أن يكونا منتزعين من شئ واحد في الخارج باعتبارين مختلفين، أو أن يكون كل منهما منتزعا من شئ.
أما الصورة الأولى: فلابد من الالتزام باستحالة الاجتماع فيه، وذلك لأن متعلق الأمر والنهي في الحقيقة إنما هو منشأ انتزاعهما، والمفروض أنه واحد وجودا وماهية لا العنوانان المتصادقان عليه، لفرض أن العنوان الانتزاعي لا يخرج عن أفق النفس إلى ما في الخارج ليكون صالحا لأن يتعلق به الأمر أو النهي.
ولتوضيح ذلك نأخذ مثالا، وهو: الإفطار في نهار شهر رمضان بمال الغير فإنه مجمع لعنوانين، أعني: عنواني الغصب والإفطار ومصداق لهما معا، ضرورة أن هذا الفعل الواحد وجودا وماهية - وهو: الأكل - كما يكون منشأ لانتزاع عنوان الغصب باعتبار تعلقه بمال الغير بدون إذنه كذلك يكون منشأ لانتزاع عنوان الإفطار في نهار شهر رمضان باعتبار وقوعه فيه، فانتزاع كل من هذين العنوانين من ذلك الفعل الواحد معلول لجهة خاصة مغايرة لجهة أخرى. ومن الواضح جدا أن لزوم كون انتزاعهما من شئ واحد وصدقهما عليه بجهتين لا ينافي كون المصداق الخارجي واحدا ذاتا ووجودا.