على هذا حيث كانت جهة الحرمة أقوى من جهة الوجوب في الواقع ونفس الأمر فلا محالة هي المؤثرة فيها دون تلك. وعليه، فلا يكون المجمع مصداقا للواجب.
وأما إذا فرض عدم المزاحمة بين تلك الجهات في الواقع وأنه لا أثر لها والمزاحمة إنما هي بين الجهات الواصلة في مقام فعلية الأحكام لكان المجمع بنفسه مصداقا للطبيعة المأمور بها بما هي، ولكان الإتيان به امتثالا لأمرها، وذلك لأن جهة الوجوب بما أنها كانت واصلة إلى المكلف لفرض أنها ملتفت إليها فهي المؤثرة دون جهة الحرمة، لعدم الالتفات إليها.
وعلى الجملة: فلا أثر للملاك الواقعي، ولا تأثير له في الحكم الشرعي أبدا، فالمؤثر إنما هو الملاك الواصل والفعلي، وهو ما كان ملتفتا إليه. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أن المجمع على الفرض مشتمل على مناط كلا الحكمين معا، غاية الأمر أن ملاك الحرمة بحسب الواقع أقوى من ملاك الوجوب. ولكن عرفت أنه لا أثر لأقوائية الملاك بحسب وجوده الواقعي.
ومن ناحية ثالثة: أن الملاك الواصل إلى المكلف هو ملاك الوجوب، فإنه ملتفت إليه دون ملاك الحرمة.
فالنتيجة على ضوئها هي: أن المؤثر ملاك الوجوب دون غيره، ولازمه هو: أن المجمع - عندئذ - يكون مصداقا للمأمور به فعلا، من دون أن يكون محرما كذلك.
الخامسة: قد تقدم أن هذه المسألة تبتنى على أن يكون لكل من متعلقي الأمر والنهي ملاك حكمه على كل من القولين، وبذلك تمتاز هذه المسألة عن مسألة التعارض: باعتبار أن مسألة التعارض تبتنى على أن يكون لأحدهما مناط دون الآخر. وعلى هذا يترتب أن دليلي الوجوب والحرمة إذا كانا متعارضين وقدمنا دليل الحرمة على دليل الوجوب تخييرا أو ترجيحا فلا مجال - وقتئذ - للصحة أصلا وإن فرض أن جهله بالحرمة كان عن قصور، وذلك لفرض أنه لا مقتضى للوجوب - عندئذ - في مورد الاجتماع أصلا، ومعه يستحيل أن تنطبق عليه الطبيعة المأمور بها، ضرورة استحالة أن يكون الحرام مصداقا للواجب. وهذا