وغير خفي أن ما أفاده (قدس سره) من وجوب تقليل النجاسة حكما لا يتم صغرى وكبرى.
أما بحسب الصغرى فلما ذكرناه غير مرة من أن الأحكام الشرعية - بشتى أنواعها وأشكالها - أمور اعتبارية محضة، وليس لها واقع موضوعي ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار. ومن الطبيعي أن الأمور الاعتبارية لا تتصف بالشدة مرة وبالضعف مرة أخرى، ضرورة أنهما من الصفات العارضة على الأمور الخارجية والموجودات التكوينية: كالسواد والبياض وما شاكلهما. وأما الأمور الاعتبارية فالمفروض أنه ليس لها واقع خارجي ووجود إلا في عالم الاعتبار، فهي لا تتصف في ذلك العالم إلا بالوجود والعدم، إذ أنها عند اعتبار من له الاعتبار موجودة، وعند عدم اعتباره معدومة.
وبعد ذلك نقول: إن النجاسة بما أنها حكم شرعي فليس لها واقع موضوعي ما عدا اعتبار الشارع لها للأشياء بالذات كما في الأعيان النجسة، أو بالعرض كما في الأعيان المتنجسة، لحكمة دعت إلى ذلك الاعتبار. ومن المعلوم أن هذا الاعتبار لا يتصف بالشدة والضعف.
فلا يقال: إن اعتبار نجاسة شئ عند ملاقاته للبول شديد واعتبار نجاسته عند ملاقاته للدم - مثلا - ضعيف، ضرورة أنه لا فرق بين الاعتبارين من هذه الناحية أصلا، ولا يعقل اتصافهما بالشدة تارة وبالضعف أخرى.
وعلى الجملة: فليس في المقام عند التحليل إلا اعتبار الشارع نجاسة الثوب - مثلا - عند ملاقاته للبول، واعتبار طهارته عند غسله في الماء مرتين مطلقا، أو في خصوص الماء القليل على الخلاف في المسألة، فتكون ملاقاته للبول موضوعا لحكم الشارع بنجاسته، وغسله في الماء مرتين موضوعا لحكمه بطهارته. ومن الواضح أن الموضوع ما لم يتحقق في الخارج لا يترتب عليه حكمه.
وعلى ضوء ذلك: فلا أثر لتحقق الغسلة الواحدة بالإضافة إلى الحكم بالطهارة ما لم تتحقق الغسلة الثانية، لفرض أنها جزء الموضوع، ولا أثر له ما لم يتحقق