أما النفسي: فهو وإن كان محتملا - وقد اختاره المحقق الأردبيلي (1) (قدس سره) - إلا أنه خلاف ظواهر الآيات والروايات الدالة على ذلك كما عرفت.
وأما الوجوب الغيري فهو مبتن على أن يكون التعلم مقدمة لوجود الواجب خارجا، وترك الحرام كذلك كبقية المقدمات الوجودية، ولكنه ليس كذلك، ضرورة أن الإتيان بذات الواجب وترك نفس الحرام لا يتوقفان عليه.
نعم، يتوقف الإتيان بالواجب إذا كان مركبا على تعلم أجزائه وشرائطه، وذلك كالصلاة وما شاكلها، إلا أن وجوبه لا يدور مدار القول بوجوب المقدمة، بل هو ثابت بالآيات والروايات.
وأما الوجوب الإرشادي بأن يكون ما دل عليه من الكتاب والسنة إرشادا إلى ما استقل به العقل من وجوب تعلم الأحكام، نظير ما ذكرناه في الآيات الناهية عن العمل بغير العلم: من أن مفادها إرشاد إلى ما استقل به العقل، وهو عدم جواز العمل بالظن. فيرد عليه: أنه لو كان وجوبه إرشاديا لم يكن مانع من جريان البراءة الشرعية في الشبهات الحكمية قبل الفحص، وذلك لأن المقتضى له - وهو إطلاق أدلتها - موجود على الفرض، وعمدة المانع عنه إنما هي وجود تلك الأدلة، والمفروض أنها على هذا التفسير حالها حال حكم العقل فغير صالحة للمانعية، فإن موضوعها يرتفع عند جريانها كحكم العقل، ومثلها كيف يصلح أن يكون مانعا؟
وعلى الجملة: فعلى ضوء هذا التفسير كما أن البراءة الشرعية تجري في الشبهات الموضوعية قبل الفحص كذلك تجري في الشبهات الحكمية قبله، فلا فرق بينهما عندئذ أصلا، فإن عمدة الدليل على تقييد إطلاق أدلتها في الشبهات الحكمية بما بعد الفحص إنما هو تلك الأدلة، وإذا افترضنا أن مدلولها حكم إرشادي فهي لا تصلح لذلك. نعم، لا تجري البراءة العقلية، لعدم إحراز موضوعها قبل الفحص.
فالنتيجة: أنه يتعين الاحتمال الأخير، وهو كون وجوب التعلم وجوبا