في أول أزمنة الإمكان فورا، ولكنه لو تركها فيه وعصى جاز له التأخير إلى ما دام العمر موسعا.
وأما المقام الثاني - وهو مقام الإثبات - فالصيغة لا تدل على الفور ولا على التراخي فضلا عن الدلالة على وحدة المطلوب أو تعدده. والسبب في ذلك: أن الصيغة لو دلت على ذلك فبطبيعة الحال: إما أن تكون من ناحية المادة أو من ناحية الهيئة، ومن الواضح أنها لا تدل عليه من كلتا الناحيتين.
أما من ناحية المادة فواضح، لما تقدم في ضمن البحوث السابقة: من أن المادة موضوعة للطبيعة المهملة العارية عن جميع الخصوصيات والعوارض، فلا تدل إلا على إرادتها، فكل من الفور والتراخي وما شاكلهما خارج عن مدلولها (1).
وأما من ناحية الهيئة فأيضا كذلك، لما عرفت بشكل موسع من أنها وضعت للدلالة على إبراز الأمر الاعتباري النفساني على ذمة المكلف في الخارج، فلا تدل على شئ من الخصوصيات المزبورة (2)، بل ولا إشعار فيها فما ظنك بالدلالة؟ فثبوت كل واحدة من تلك الخصوصيات يحتاج إلى دليل خارجي، فإن قام فهو، وإلا فاللازم هو الإتيان بالطبيعي المأمور به مخيرا عقلا بين الفور والتراخي.
وعلى هذا فلو شككنا في اعتبار خصوصية زائدة كالفور أو التراخي أو نحو ذلك فمقتضى الأصل اللفظي من عموم أو إطلاق إذا كان هو عدم اعتبارها وأن الواجب هو الطبيعي المطلق، ولازم ذلك جواز التراخي، وقد عرفت (3) أنه لا فرق في حجية الأصول اللفظية بين المثبت منها وغيره. هذا إذا كان في البين أصل لفظي.
وأما إذا لم يكن كما إذا كان الدليل مجملا أو إجماعا فالمرجع هو الأصل العملي، وهو في المقام أصالة البراءة للشك في اعتبار خصوصية زائدة كالفور أو