الضابط لامتياز مسألة عن مسألة أخرى إنما هو بالجهة المبحوث عنها في المسألة، وحيث إن الجهة المبحوث عنها في مسألتنا هذه غير الجهة المبحوث عنها في تلك المسألة فلا مناص من تعددهما، وذلك لأن الجهة المبحوث عنها في مسألة المرة والتكرار إنما هي تعيين حدود المأمور به شرعا من حيث السعة والضيق، وأنه الطبيعة المقيدة بالمرة أو التكرار، وفي هذه المسألة إنما هي إجزاء الإتيان بالمأمور به عن الواقع عقلا، وعدم إجزائه بعد الفراغ عن تعيين حدوده شرعا.
وإن شئت قلت: إن البحث في المسألة الأولى بحث عن دلالة الصيغة أو ما شاكلها على المرة أو التكرار، ولذا تكون من المباحث اللفظية. والبحث في هذه المسألة بحث عن وجود ملازمة عقلية بين الإتيان بالمأمور به خارجا وبين إجزائه. ومن هنا قلنا: إنها من المسائل العقلية.
وصفوة القول: إن الاشتراك في النتيجة لو كان موجبا لوحدة المسألتين أو المسائل لكان اللازم أن يجعل المسائل الأصولية بشتى أشكالها وألوانها مسألة واحدة، لاشتراك الجميع في نتيجة واحدة، وهي: القدرة على الاستنباط، وهذا كما ترى.
وأما التوهم الثاني: فلأن مسألتنا هذه تختلف عن مسألة تبعية القضاء للأداء موضوعا وجهة.
أما الأول: فلأن الموضوع في هذه المسألة هو الإتيان بالمأمور به، وأنه يجزي عن الواقع أم لا؟ والموضوع في تلك المسألة هو عدم الإتيان بالمأمور به في الوقت. ومن الطبيعي أنه لا جامع بين الوجود والعدم، وعليه فلا ربط بين المسألتين في الموضوع أصلا.
وأما الثاني: فلأن الجهة المبحوث عنها في هذه المسألة إنما هي وجود الملازمة بين الإتيان بالمأمور به وإجزائه عن الواقع عقلا، وعدم وجودها. والجهة المبحوث عنها في تلك المسألة إنما هي دلالة الأمر من جهة الإطلاق على تعدد المطلوب وعدم دلالته عليه، فإذا لا ارتباط بينهما، لا في الموضوع، ولا في الجهة