أما الكلام في المورد الأول فبيانه يحتاج إلى توضيح حول حقيقة الوجوب الكفائي.
فنقول: إن ما قيل أو يمكن أن يقال في تصويره وجوه:
الأول: أن يقال: إن التكليف متوجه إلى واحد معين عند الله ولكنه يسقط عنه بفعل غيره، لفرض أن الغرض واحد فإذا حصل في الخارج فلا محالة يسقط الأمر.
الثاني: أن يقال: إن التكليف في الواجبات الكفائية متوجه إلى مجموع آحاد المكلفين من حيث المجموع، بدعوى: أنه كما يمكن تعلق تكليف واحد شخصي بالمركب من الأمور الوجودية والعدمية على نحو العموم المجموعي كالصلاة - مثلا - إذا كان الغرض المترتب عليه واحدا شخصيا كذلك يمكن تعلقه بمجموع الأشخاص على نحو العموم المجموعي.
الثالث: أن يقال: إن التكليف به متوجه إلى عموم المكلفين على نحو العموم الاستغراقي فيكون واجبا على كل واحد منهم على نحو السريان، غاية الأمر أن وجوبه على كل مشروط بترك الآخر.
الرابع: أن يكون التكليف متوجها إلى أحد المكلفين لا بعينه المعبر عنه بصرف الوجود، وهذا الوجه هو الصحيح.
بيان ذلك ملخصا: هو أن غرض المولى كما يتعلق تارة بصرف وجود الطبيعة، واخرى بمطلق وجودها كذلك يتعلق تارة بصدوره عن جميع المكلفين، واخرى بصدوره عن صرف وجودهم.
فعلى الأول الواجب عيني فلا يسقط عن بعض بفعل بعض آخر.
وعلى الثاني فالواجب كفائي بمعنى: أنه واجب على أحد المكلفين لا بعينه المنطبق على كل واحد منهم ويسقط بفعل بعض عن الباقي، وهذا واقع في العرف والشرع.
أما في العرف: كما إذا أمر المولى أحد عبيده أو خدامه بفعل في الخارج من دون أن يتعلق غرضه بصدوره من شخص خاص منهم، ولذا أي واحد منهم قام به