أما آية الاستباق فلأن كلمة " واستبقوا " فيها من الاستباق بمعنى المسابقة لغة، وعلى هذا فظاهر الآية المباركة هو وجوب المسابقة على العباد نحو الخيرات، يعني: أن الواجب على كل واحد منهم أن يسابق الآخر فيها.
وإن شئت قلت: إن مدلول الآية الكريمة هو ما إذا كان العمل خيرا للجميع وأمكن قيام كل واحد منهم به، ففي مثل ذلك أمر سبحانه وتعالى عباده بالمسابقة نحوه، ومن الواضح أنه لا صلة لهذا المعنى بما نحن فيه أصلا، وذلك لأن الكلام فيه إنما هو في وجوب المبادرة على المكلف نحو امتثال الأمر المتوجه إليه خاصة على نحو الاستقلال مع قطع النظر عن الأمر المتوجه إلى غيره. وهذا بخلاف ما في الآية، فإن وجوب الاستباق فيها إنما هو بالإضافة إلى الآخر لا بالإضافة إلى الفعل، فإذا لا تدل الآية على وجوب الاستباق والمبادرة إلى الفعل أصلا، ولا ملازمة بين الأمرين كما لا يخفى.
وأما آية المسارعة فالظاهر من المغفرة فيها هو نفس الغفران الإلهي، فالآية - عندئذ - تدل على وجوب المسارعة نحوه بالتوبة والندامة التي هي واجبة بحكم العقل، وليس المراد منها الأفعال الخارجية من الواجبات والمستحبات، فإذا الآية ترشد إلى ما استقل به العقل، وهو وجوب التوبة، وأجنبية عما نحن بصدده.
الثاني: على تقدير تنزل عن ذلك وتسليم أن الآيتين ليستا أجنبيتين عن محل الكلام إلا أن دلالتهما على ما نحن بصدده تقوم على أساس أن يكون الأمر فيهما مولويا. وأما إذا كان إرشاديا - كما هو الظاهر منه بحسب المتفاهم العرفي - فلا دلالة لهما عليه أصلا، وذلك لأن مفادهما على هذا الضوء هو الإرشاد إلى ما استقل به العقل من حسن المسارعة والاستباق نحو الإتيان بالمأمور به وتفريغ الذمة منه، وتابع له في الإلزام وعدمه فلا موضوعية له، ومن الواضح أن حكم العقل بذلك يختلف في اللزوم وعدمه باختلاف موارده.
الثالث: على تقدير التنزل عن ذلك أيضا وتسليم أن الأمر فيهما مولوي إلا أنه لا بد من حمله على الاستحباب، ولو حمل على ظاهره - وهو الوجوب - لزم