يتعددان، مع أن المادة في كليهما واحدة، ولا اقتضاء للهيئة إلا الزجر عنها أو البعث إليها؟!
وإن شئت قلت: إن في هذه المسألة معضلة ذات جهتين، لأنه إن قلنا: بأن امتثال النهي واحد، لأنه إذا منع من شرب الخمر فتركه مدة عمره، لا يكون إلا ممتثلا بالنسبة إلى النهي الواحد، فلا بد من كون العصيان واحدا، ولا يعقل النهي الواحد والامتثال الواحد مع كون العصيان متعددا.
وإن قلنا: بأن الامتثال أيضا يتعدد حسب الآنات، أو حسب الإمكانات، فهذا أيضا مشكل آخر، ضرورة عدم اقتضاء للنهي إلا مثل الأمر، والتعدد في الجانبين يحتاج إلى جهة تقتضيه، وهي منتفية على الفرض.
فتوهم: أن مقدمات الإطلاق في جانب الأمر، مختلفة الاقتضاء مع مقدماته في جانب النهي (1)، في غير محله، لأن المفروض أنه في كلا الجانبين تكون المقدمات تامة، وأن ما هو المقصود من الإطلاق في جانب الأمر، هو المقصود في جانب النهي، وهو البعث إلى الطبيعة، أو الزجر عنها بما هي هي، من غير النظر إلى الأمر الآخر وراءها.
أقول أولا: إن الشبهة والعويصة في مقابل البديهة لا ترجع إلى محصل، فلو عجزنا عن توضيح الفرق بين الأمر والنهي في هذه المسألة، ولكن لا يلزم منه الخدشة والمناقشة فيما يحكم به العقلاء، وتدركه العقول الساذجة التي هي المتبعة دون الآراء العلمية، نظير ما مر في بحث الأوامر (2)، وإن بناء العقلاء على أنه للوجوب، واختلفوا في وجه ذلك اختلافا شديدا من غير سراية الخلاف إلى أصل المسألة المفروغ عنها عندهم.