وبتعبير آخر: إن معنى الزجر كلي، وقوله: " لا تفعل " مصداق الزجر والمنع، لا أن معنى " لا تفعل " هو الزجر، ف " لا تفعل " قائم مقام الزجر بالفعل التكويني، فكما هو مصداق الزجر، كذلك النهي مصداق الزجر في الاعتبار والبناء لغة وعرفا.
وربما يقال: إن الشارع اعتبر كون المكلف محروما من شئ، لأجل اشتماله على مفسدة ملزمة، فإذا أبرز ذلك المعنى في الخارج بمبرز كالصيغة ونحوها، يقال:
" إنه زجر عنه ومنعه " فالصيغة ليست إلا للدلالة على إبراز ذلك المعنى الاعتباري النفساني، ولا تدل على الزجر والمنع المفهومي، بل هما مصداقان له (1).
هذه هي الوجوه والمحتملات في المسألة، وهي كلها ممكنة ثبوتا إلا الأخير منها، فإنه أمر غير معقول، ولا يرجع إلى مفاد محصل كما حررناه مرارا، وذكرنا بعض المفاسد المترتبة عليها (2).
وما يمكن أن يكون وجها لامتناع بعض هذه الوجوه أمور:
أحدها: ما أفاده الوالد المحقق - مد ظله -: " وهو أن الإرادة لا تتعلق بشئ إلا بعد حصول مبادئها، من التصور، والتصديق بالفائدة، والاشتياق إليه أحيانا، بل هذه المبادئ من علل حصول الإرادة ووجودها، وحينئذ فالعدم والترك من الأمور الباطلة الوهمية، ولا يمكن أن يكون ذا مصلحة يتعلق بها الاشتياق والإرادة، أو البعث والتحريك.
وأوضح فسادا ما ربما يقال بتعلق الطلب ببعض الأعدام وجدانا، لأن ذلك مغالطة، وحصلت من أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات، ضرورة أن الشئ قد يكون مبغوضا بفساد فيه، فينسب المحبوبية إلى عدمه " (3) انتهى.