قلت: لو كان الأمر كما توهم يستلزم الاجمال في الآية، لأن قوله تعالى:
* (ما نهاكم عنه) * معناه ما زجركم عنه، فإن كان النهي مصداق الزجر فهو، وإلا فلا يجب الانتهاء عن نهيه، لأنه بمعنى طلب الترك، فتأمل تعرف.
ومما يجب التوجيه نحوه: أن مادة النهي لا تدل بالوضع على الحرمة، بل دلالتها عليها بالإطلاق، حسبما تقرر في مادة الأمر (1)، فما هو المستفاد منه أمر أعم من كون المنع على سبيل التحريم، أو على سبيل التنزيه والكراهة، فاستعمال هذه المادة في موارد التنزيه، ليس من المجاز من هذه الجهة، وإن كان مجازا في كونها في متعلقة الانشاء، فليتدبر جيدا.
ثم إن هاهنا بحثا آخر يشترك فيه صيغة النهي أيضا: وهو أن المستفاد من النهي مادة وصيغة، هل هي الحرمة بحيث يشمله الحديث المشهور: " إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه " (2) أم الحرمة المقصودة مفاد مادتها، كقوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة والدم) * (3) فلا يكون متعلق النهي محرما؟ وجهان يأتي تفصيلهما إن شاء الله تعالى (4).
وبالجملة تحصل: اشتراك مادة النهي مع مادة الأمر في نوع هذه الخصوصيات، ومنها اعتبار العلو والاستعلاء معا، أو على سبيل منع الخلو في الانشاء بالمادة، وقد مضى تفصيله، وذكرنا عدم اعتبارهما لا في المادة، ولا في الصيغة، ومن شاء فليراجع (5).