كان إنشاء طلب الترك، أو الكف، أو إنشاء الزجر والمنع - هو الممكن بالمادة أيضا، إلا أنه خروج عن مقتضى المادة لغة، ونوع مجاز مضى تفصيله في كيفية الانشاء بمادة الأمر (1).
ومما تجب الإشارة إليه: أن ما هو المنشأ بمادته هو المنشأ بصيغته، والذي هو صريح اللغة هو أن مادة النهي موضوعة للزجر والمنع، فإذا قال: " نهاه عن أمر كذا " أي زجره ومنعه عنه (2)، فإذا استعملت مادة " النهي " في مقام الانشاء بنحو صدقه العقلاء والعرف - كما في مادة الأمر - فما هو المنشأ به معناها اللغوي الذي يعد الموضوع له لتلك المادة، وهذا ينفعك كثيرا في البحث الآتي الواقع بين أبناء الفضل قديما وحديثا.
ومما يؤيد ذلك جدا أن قوله تعالى: * (وما نهاكم عنه فانتهوا) * (3) إذا كان معناه أي ما طلب منكم ترك الفعل، فلا يساعده المطاوعة الصحيحة، بخلاف ما إذا حمل على معناه في اللغة، أي وإذا زجركم عن شئ ومنعكم عنه فانزجروا وامتنعوا.
ولعمري، إن المسألة صارت كالنار على المنار، ولا سيما أن تفسير قوله تعالى بطلب الترك منكم، تفسير على خلاف مفاده، ضرورة أن معناه لو كان الطلب فلا وجه لتعديته بكلمة " عن " كما لا يتعدى بها إذا فسرناه بكلمة الزجر والمنع، فنقول:
" ما زجركم عنه فانزجروا، وما منعكم عنه فامتنعوا " فتدبر جيدا.
إن قلت: لا مانع من كون معنى النهي هو الزجر، وصيغة النهي معناها طلب الترك.