النهيين التأسيسيين.
وقال العلامة المحشي (رحمه الله): تحريم الفعل المأتي به بعنوان التشريع ذاتا وتشريعا غير معقول، لا لاجتماع المثلين، بل لأن الالتزام بالحرمة الذاتية زيادة على الحرمة التشريعية، إنما يكون تصحيحا لتحريم العبادة بما هي عبادة، حيث لا يعقل إلا تشريعا، وفي نفس هذا الفرض لا يعقل قطع النظر عن عنوان التشريع، بدعوى أنه حرام، فإن النهي عن العبادة حينئذ لا فعلية له أصلا، لأن مورده دائما لا يتحقق إلا بالتشريع المحرم بالفعل، فلا تترتب الفعلية منهما جميعا حتى ينتزع منهما نهي فعلي في المورد فصح دعوى لزوم اجتماع المثلين في مثل المقام، لا في مثل العبادة الذاتية، فإنه يمكن تعقل الحرمة الذاتية والتشريعية فتأكد الحرمة لوجود الملاكين واستحالة اجتماع المثلين (1)، انتهى ما أردنا نقله مع تقديم وتأخير.
وفيه: أنك قد عرفت في التنبيه الأول أن النهي عن العبادة حسبما أفاده القوم، يرجع إلى النهي عن شكل العبادة وصورتها الخارجية، وإلى ما هي العبادة تقديرا، سواء كانت عبادية العبادة بالأمر، أو بالملاك، فعلى هذا ينفع التقدير المزبور، ضرورة أن نفس الصورة وشكل العبادة محرمة ذاتا، وبما أنها مطلوبة محرمة تشريعا، فيكون مورد النهي قد اتي على التقديرين - أي في العبادة الذاتية والغيرية - واحدا، على فرق ما غير دخيل في أساس المسألة: وهو أن عبادية الصلاة في النهي الذاتي بالأمر تقديرا، وعبادية السجدة بنفس ذاتها.
فلا يعتبر في تحريم العبادة ذاتا كون مورد النهي عبادة ذاتية، بل يكفي كونها عبادة تقديرية، فلو صح أن يكون الصلاة محرمة بنفس ذاتها في التحريم الذاتي، ومحرمة بتحريم آخر بما أنها مطلوبة، لما يكون فرق بين الصورتين بالضرورة.
ولكن الشأن في أن تحريم الصلاة بما هي مرة، وتحريمها بما هي مطلوبة