ومن تدبر في هذه المسائل، يجد أن هذه التخيلات نشأت عن النخوة الخاصة والشؤون التي هتكها الاسلام، ومنع عن نشرها، ولولا مخافة بعض المخالفات، لكشفت النقاب عن بعض البحوث الدخيلة في الفقه الإسلامي الموجبة لانحراف أذهان الفقهاء - رضوان الله عليهم - في آرائهم، والمستلزمة لسوء النظر إلى حقيقة الاسلام.
وثانيا: لو كان محرما يلزم تسلسل المحرمات، لأن الدخول في المعصية من هتك الحرمة، فيكون حراما، ويلزم منه موضوع محرم آخر وهتك حرمة أخرى وهكذا، كما لا يخفى فتدبر.
وثالثا: في الفعل المتجرى به والعمل التشريعي لا يلزم قبح العمل بذاته وبعنوانه الذاتي، بل القبيح هو السبب المتسبب به إلى ذلك القبيح الذي لا يتحقق إلا - بذلك الفعل والعمل، وعنوان السبب موجب لانتزاع القبيح، ويكون من الواسطة في العروض، دون الثبوت، وقد تقرر أن الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية ترجع إلى الحيثيات التقييدية، وتكون عناوين لموضوعات الإدراكات العقلية حقيقة (1).
فبالجملة تحصل: أن حرمة الفعل التشريعي ممنوعة، وما هو المحرم هو عنوان " الإتيان بالصلاة تشريعا " لا نفس الطبيعة.
مع أنه يلزم أن يكون كل محرم تشريعي محرما ذاتا، لأن حقيقة الحرمة التشريعية هي حرمة الإسناد قولا أو فعلا، وحقيقة الحرمة الذاتية هي حرمة الفعل والمسند، ولو كانت حرمة إسناد المشروعية مستلزمة لحرمة المشروع، يلزم كون الإسناد والمسند محرما.
نعم، إن قلنا: بأنه في مورد الحرمة الذاتية، لا يمكن إتيان الفعل بداعي القربة والرجاء، بخلاف الحرمة التشريعية، يحصل الفرق بينهما من هذه الناحية، فتأمل.