ثم إنه يلزم أن يكون الفعل في هذه الصورة مجمع الأمر والنهي، وهذه معضلة ستمر عليك مع حلها في التنبيه الثالث إن شاء الله تعالى.
الصورة الثانية: ما إذا كان الفعل المأتي به تشريعا غير مأمور به واقعا، فوجه الصحة هنا ما أشير إليه في الصورة الأولى: وهو أن الفعل المأتي به تشريعا مشتمل على قصد القربة، وإلا فلا يكون تشريعا، ضرورة أن حقيقة التشريع هي الإسناد مع عدم العلم، الأعم من العلم بالعدم، أو الشك، أو الظن، وعلى هذا وإن لم يعقل الجزم بأنه من الشرع، إلا أنه يمكن التجزم بذلك في مقابل الإتيان به استهزاء وجزافا، وهذا المعنى لا يحصل إلا مقترنا بالقربة، كما في فعل المرائي، فإنه يأتي بالعبادة للإرائة، ويعبد الله تعالى رياء، فالمشرع بالعبادة يعبد الله تعالى بما ليس من الدين ناسبا إياه إليه. فعلى هذا تصح عبادته، لاقترانها بما هو شرطها من غير لزوم كونها مورد الأمر حسب التحقيق.
وأما وجه البطلان، فالوجوه السابقة الثلاثة غير ناهضة، كما عرفت مناشئ ضعفها.
نعم، الوجه الرابع الذي أبدعناه، من أن النهي عن العبادة تشريعا يرجع إلى مثل النهي عن العبادة في الغصب، لا بمعنى أن يكون النهي إرشادا محضا، بل كما أن النهي عن الصلاة في الغصب يفيد الحرمة التكليفية بالنظر إلى ذات المنهي، ويفيد اشتراط المأمور به بالأمر بالصلاتي، بأن لا يكون في الغصب بالنظر إلى وقوعه في محيط المركبات، كذلك النهي عن العبادة تشريعا يفيد الحرمة الذاتية المتعلقة بالتشريع، ويفيد اشتراط المأمور به بأن لا يكون مقترنا بالتشريع، وأما نفس الاقتران به فهو لا يفيد الفساد، كما لا يلزم من اقتران الصلاة بالنظر إلى الأجنبية فسادها.
إن قلت: بناء على هذا لا يبقى للحرمة التشريعية معنى وراء الحرمة الذاتية.