هذا مع أن التكليفية والإرشادية والتحريمية وإفادة الشرطية، ليست من مداليل الصيغة، لما تحرر أن الصيغة ليست موضوعة لشئ، بل هي تنوب مناب البعث والزجر الخارجيين في الاعتبار (1)، فلا تكون دلالة النهي على التحريم إلا بالجهات الخارجة عن حدود الوضع.
فعلى هذا، إذا كان مفاد النهي في صورة كونه إرشادا محضا، هو مدخلية عدم المنهي في المأمور به، أو مانعية وجوده في المأمور به، وأن ما هو المأمور به بالأمر الصلاتي أو الصومي وغيرهما، مقيد بعدم ذلك المنهي، أو ممنوع بوجوده في الاعتبار، فلا يمكن امتثال الأمر إلا بالاجتناب عن المنهي، ويكون إفادته في صورة مبغوضية المنهي مستقلا وذاتا، لعدم إمكان الامتثال، ولكون المأمور به مقيدا بعدمه، أولى وأحسن في محيط العرف والعقلاء، من غير لزوم كون الصيغة مستعملة في الأكثر.
بل الصيغة لا تفيد إلا الزجر، إلا أنه إذا نظرنا إلى ذات المنزجر عنه يكون محرما، وإذا نظرنا إلى أنه يكون في محيط المركبات والمخترعات الشرعية العبادية، يكون مفيدا للتضييق والتقييد المستتبع للفساد والبطلان.
ولعمري، إنه وجه لا غبار عليه، ولا شبهة تعتريه.
وبالجملة: الوجوه المتمسك بها في كلمات القوم كلها ترجع إلى إفادة عدم اجتماع الحرمة - بنفسها، أو بتبعاتها - مع الصحة والعبودية والمقربية تكوينا وخارجا، وقد عرفت قصورها عن ذلك جدا.
وأما الوجه الأخير، فهو يرجع إلى أن البطلان والفساد والحكم الوضعي، تابع لحدود المأمور به، فإن كان يلزم من النهي المزبور عدم تحقق المأمور به خارجا لأجل الإخلال بقيده، فيمكن الوصول إلى فساد العبادة، وإلا فلا.