الصورة الثانية: ما إذا كانت مندوحة، وكان العبد في الفسحة والسعة من إتيان المأمور به في الأرض المباحة، والتوضؤ بالماء المباح، فإنه على القول المزبور من عدم الانحلال، فإمكان المحافظة على الإطلاقين واضح، وتكون الإرادتان الباعثة والزاجرة، باقيتين على حالهما من البعث والزجر والفعلية والتنجز، وهذا مما لا غبار عليه، ولا شبهة تعتريه.
وأما على القول بانحلال الخطاب الوحداني القانوني إلى الكثير الشخصي، فربما يقال - كما مر تفصيله (1) - بإمكان المحافظة عليهما، لأن القدرة على فرد من الطبيعة المأمور بها في طول الوقت، كافية لإيجاب الطبيعة في تمام الوقت، لأن ما هو مورد التكليف هي الطبيعة بين الحدين، ولا شبهة في أنها مورد القدرة، وما ليس مورد القدرة هو الفرد منها، وهو ليس مورد التكليف (2).
ومن الممكن دعوى: أن الخطاب كما ينحل بحسب الأفراد والحالات من العاجز والقادر والعالم والجاهل، كذلك ينحل بحسب أجزاء الزمان، وإذا كان هو منحلا بحسبها، فلا يعقل المحافظة على الخطابين في الجزء منه، وهو حينما كان يتصرف المكلف في مال الغير، وقد سبق منا وجه الانحلال من هذه الجهة أيضا، ولا نطيل الكلام بإعادة ذلك، والأمر - بعدما تبين في بحث الضد من الخطابات القانونية (3) - يكون واضحا، كالنار على المنار، أو كالشمس في رابعة النهار، والحمد لله الواحد القهار.