المقام - وهو مقام الإثبات - يستكشف حدود البغض وحدود الفساد حسب ديدن العقلاء في استكشاف المصالح والمفاسد بالضرورة، كما تقرر في الأمر (1)، وفيما مضى آنفا في هذه المسألة أيضا.
وقضية صحة هذا التقريب، عدم جواز الاكتفاء بالمرة في جانب الأمر أيضا، وهو خلف.
اللهم إلا أن يقال: إن بناء العقلاء في جانب الأمر على إفادة المحبوبية الاستيعابية بالنسبة إلى جميع الأفراد، وعلى وجه تكون الطبيعة السارية مطلوبة بأداة العموم، ولا يكون الأمر كذلك في جانب النهي، فتدبر.
وأما الثاني: فإن المبغوض لو كان فردا ما، فالنهي تحصيل للحاصل، لأن ترك هذا المبغوض حاصل بالضرورة، ولكن هل يستكشف من ذلك أن المبغوض هو عموم الأفراد، أم يستكشف منه أن المبغوض هو ترك الفرد الخاص، وهو ترك المبغوض عن انزجار وكف، فيكون هذا دليلا على القول: بأن امتثال النهي بالانزجار والكف، حتى لا يكون النهي تحصيلا للحاصل، كما أفاده القائل بأن النهي طلب الكف؟! هذا أولا.
وثانيا: يتوجه السؤال عن كيفية استعمال ألفاظ الطبيعة، فإنها موضوعة لنفس الطبائع بما هي هي، وإذا أريد منها الأفراد فلا بد من الالتزام بالمجاز الضجيع القبيح، كما لا يخفى.
وتوهم: أن مقدمات الحكمة تفيد السراية (2)، في غير محله، لما تقرر من أنها لا تورث أمرا خارجا عن الوضع، ولا تورث المجازية، بل هي عند اجتماعها تفيد أن ما هو متعلق الحكم تمام الموضوع وتمام الغرض، وهو تمام المحبوب أو المبغوض،