فإذا تحققوا ذلك وعلموا أنه لا يمكن رفعها بوجه من الوجوه أوقعوا الخلع بها، ومن الظاهر أنهم إنما أخذوا ذلك من مشايخهم وأساتيدهم لحضورهم مجالسهم وحلق درسهم وسماعهم ذلك منهم مدة ملازمتهم لهم وتلمذهم عليهم.
والذي وقفت عليه بعد الفحص والتتبع لكلام الأصحاب - رضوان الله عليهم - خلاف ذلك، فإن كلامهم ظاهر في كونها أعم من العارضية والذاتية، ولكنهم لم يصرحوا بذلك في باب وإن أشار إليه بعضهم إشارة، إلا أنهم أوضحوا ذلك في باب الشقاق بين الزوجين في تحقيق معنى الاكراه على الفدية. وها أنا أسوق لك ما حضرني من عبائرهم وكلامهم في هذا المقام ليظهر لك صحة المناقضة لما نقلناه عن أولئك الأعلام.
قال المحقق - رحمه الله - في كتابه الشرائع: ولو منعها شيئا من حقوقها أو أغارها فبذلت له بدالا لخلعها صح، وليس ذلك إكراها.
قال شيخنا في المسالك - بعد نقل هذه العبارة - ما لفظه: المراد بالحق الذي منعها إياه فبذلت له الفدية لأجله الحق الواجب لها من القسمة والنفقة ونحوهما، وإنما لم يكن ذلك إكراها وإن كان محرما لأنه أمر منفك عن طلب الخلع ولا يستلزمه، بل قد يجامع إرادة المقام معها، وإنما الباعث على تركه حقها ضعف دينه وحرصه وميله إلى غيرها ونحو ذلك مما لا يستلزم إرادة فراقها ولا يدل عليه بوجه، ونبه بقوله " أغارها " أي تزوج عليها، على أنه لا فرق في ذلك بين ترك الحقوق الواجبة وغيرها، لأن إغارتها غير محرمة، وترك شئ من حقوقها الواجبة محرم، وكلاهما لا يقتضيان الاكراه.
أم غير الحق الواجب كالتزويج عليها وترك بعض المستحبات كالجماع في غير الوقت الواجب والتسوية بينها وبين ضراتها في الانفاق ونحوه فظاهر، حتى لو قصد بذلك فراقها لتفتدي لنفسها لم يكن إكراها عليه لأن ذلك أمر سائغ.
واقترانه بإرادة فراقها لا يقتضي الاكراه.