أخرجته من كذا وكذا.
(والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت) أي: متولي أمورهم وأنصارهم الطاغوت. والطاغوت هاهنا واحد أريد به الجميع، هذا جائز في اللغة إذا كان في الكلام دليل على الجماعة. قال الشاعر:
بها جيف الحسرى، فأما عظامها * فبيض، وأما جلدها فصليب (1) فجلدها في معنى جلودها. وقال العباس بن مرداس:
فقلنا: أسلموا، وأنا أخوكم، * فقد برئت من الإحن الصدور (2) والمراد به الشيطان، عن ابن عباس. وقيل: رؤساء الضلالة، عن مقاتل (يخرجونهم من النور إلى الظلمات) أي: من نور الإيمان والطاعة والهدى، إلى ظلمات الكفر والمعصية والضلالة. وأضاف إخراجهم من النور إلى الظلمات إلى الطواغيت، على ما تقدم ذكره من أنهم يغوونهم ويدعونهم إلى ذلك، ويزينون فعله لهم، فصح إضافته إليهم. وهذا يدل على بطلان برهان قول من قال: إن الإضافة الأولى تقتضي أن الإيمان من فعل الله تعالى بالمؤمن، لأنه لو كان كذلك لاقتضت الإضافة الثانية أن الكفر من فعل الشيطان.
وعندهم لا فرق بين الأمرين في أنهما من فعله، تعالى عن ذلك. وأيضا فلو كان الأمر على ما ظنوا، لما صار الله تعالى وليا للمؤمنين، وناصرا لهم على ما اقتضته الآية. والإيمان من فعله لا من فعلهم، ولقا كان خاذلا للكفار، ومضيفا لولايتهم إلى الطواغيت، والكفر من فعله فيهم، ولم يفصل بين الكافر والمؤمن، وهو المتولي لفعل الأمرين فيهما. ومثل هذا لا يخفى على منصف.
فإن قيل: كيف يخرجونهم من النور، وهم لم يدخلوا فيه؟ قلنا: قد ذكر فيه وجهان أحدهما: إن ذلك يجري مجرى قول القائل: أخرجني والدي من ميراثه.
فمنعه من الدخول فيه اخراج. ومثله قوله في قصة يوسف: (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله) ولم يكن فيها قط. وقوله: (ومنهم من يرد إلى أرذل العمر)، وقال الشاعر: