قال ذلك لأنه ازداد بما شاهد وعاين، يقينا وعلما، إذ كان قبل ذلك علم استدلال، فصار علمه ضرورة ومعاينة.
(وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم أدعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم [260]).
القراءة: قرأ أبو جعفر وحمزة وخلف ورويس عن يعقوب: (فصرهن) بكسر الصاد. والباقون: (فصرهن) بضم الصاد. وروي في الشواذ، عن ابن عباس:
(فصرهن) بكسر الصاد وتشديد الراء وفتحها. وعن عكرمة: (فصرهن) بفتح الصاد وكسر الراء وتشديدها. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (جزأ) مثقلا مهموزا حيث وقع. وقرأ أبو جعفر: (جزا) مشددا. والباقون بالهمز والتخفيف.
الحجة: يقال: صرته أصوره أي: أملته، ومنه قول الشاعر: (يصور عنوقها أحوى زنيم) أي: يميل عنوق هذه الغنم تيس أحوى (1). وصرته أصوره: قطعته.
قال أبو عبيدة: فصرهن من الصور. وقال: وهو القطع. وقال أبو الحسن: وقد قالوا بمعنى القطع صار يصير أيضا، قال الشاعر:
وفرغ يصير الجيد وحف كأنه * على الليت قنوان الكروم الدوالح (2) ومعنى هذا يميل الجيد من كثرته، فقد ثبت أن الميل والقطع، يقال في كل واحد منهما أيضا صار يصير. فمن جعل فصرهن إليك بمعنى أملهن إليك حذف من الكلام والمعنى: أملهن إليك فقطعهن. ثم اجعل على كل جبل منهن جزأ، فحذف الجملة لدلالة الكلام عليها، كما حذف من قوله (اضرب بعصاك البحر فانفلق) أي: فضرب فانفلق.
ومن قدر فصرهن على معنى فقطعهن، لم يحتج إلى إضمار. ويحتمل كلا الوجهين كل واحد من القراءتين على ما ذكرناه. وقوله: إليك: إن جعلت صرهن بمعنى فقطعهن كان إليك متعلقا بخذ أي: خذ إليك أربعة من الطير فقطعهن، ثم