وقال الآخر:
أتاني نصرهم وهم بعيد * بلادهم بأرض الخيزران وأما قوله (والملائكة) فقد ذكرنا الوجه في رفعه وجره قبل. وقيل: معنى الآية إلا أن يأتيهم الله بظلل من الغمام أي: بجلائل آياته، وبالملائكة. وقوله: (وقضي الأمر) معناه فرغ من الأمر، وهو المحاسبة، وإنزال أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، هذا في الآخرة. وقيل: معناه وجب العذاب أي: عذاب الاستئصال، وهذا في الدنيا. (وإلى الله ترجع الأمور) أي: إليه ترد الأمور في سؤاله عنها، ومجازاته عليها. وكانت الأمور كلها له في الابتداء، فسلك بعضها في الدنيا غيره، ثم يصير كلها إليه في الحشر، لا يملك أحد هناك شيئا. وقيل: إليه ترجع أمور الدنيا والآخرة.
(سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب [211]).
الاعراب: (كم): في موضع نصب لأنه مفعول ثان لآتينا، وإنما وجب له صدر الكلام لتضمنه معنى الاستفهام. ثم إن هذه الجملة التي هي (كم آتيناهم من آية) قد وقعت موقع المفعول الثاني لقوله: (سل). (من آية): يتعلق بآتينا أيضا. وما: حرف موصول جاءت صلته، والموصول والصلة في موضع جر بإضافة (بعد) إليه.
المعنى: (سل) يا محمد (بني إسرائيل) أي: أولاد يعقوب، وهم اليهود الذين كانوا حول المدينة، والمراد به علماؤهم، وهو سؤال تقرير لتأكيد الحجة عليهم (كم آتيناهم) أي: أعطيناهم (من آية بينة) من حجة ظاهرة واضحة مثل اليد البيضاء، وقلب العصا حية، وفلق البحر، وتظليل الغمام عليهم، وإنزال المن والسلوى، عن الحسن ومجاهد. وقيل: كم من حجة واضحة لمحمد تدل على صدقه، عن الجبائي.
(ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته): في الكلام حذف وتقديره فبدلوا نعمة الله، وكفروا بآياته، وخالفوه فضلوا وأضلوا، ومن يبدل الشكر عليها بالكفران.