عيسى " عليه السلام " من غير فحل. وخرج بهذا من أن يكون تكريرا، إذ يكون الاصطفاء على معنيين مختلفين.
(يا مريم اقنتي لربك) أي: اعبديه وأخلصي له العبادة، عن سعيد بن جبير.
وقيل: معناه أديمي الطاعة له، عن قتادة. وقيل: أطيلي القيام في الصلاة، عن مجاهد (واسجدي واركعي مع الراكعين) أي: كما يعمل الساجدون والراكعون، لا أن يكون ذلك أمرا لها بأن تعمل السجود والركوع معهم في الجماعة. وقدم السجود على الركوع لأن الواو لا توجب الترتيب، فإنها في الأشياء المتغايرة نظيرة التثنية في المتماثلة. وإنما توجب الجمع والاشتراك. وقيل: معناه واسجدي لله شكرا، واركعي أي: وصلي مع المصلين. وقيل: معناه صلي في الجماعة، عن الجبائي.
(ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون [44]).
اللغة: الأنباء: الأخبار. الواحد نبأ. والإيحاء هو إلقاء المعنى إلى الغير على وجه يخفى. والإيحاء: الإرسال إلى الأنبياء، تقول: أوحى الله إليه اي: أرسل إليه ملكا. والإيحاء: الإلهام، ومنه قوله تعالى: (وأوحى ربك إلى النحل)، وقوله (بأن ربك أوحى لها) معناه: ألقى إليها معنى ما أراد منها. قال العجاج:
أوحى لها القرار فاستقرت، * وشدها بالراسيات الثبت والإيحاء: الإيمان. قال: " فأوحت إلينا والأنامل رسلها " ومنه قوله تعالى:
(فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) أي: أشار إليهم. والوحي: الكتابة. قال رؤية: " لقدر كان وحاه الواحي " وقال: (في سور من ربنا موحية).
والقلم: الذي يكتب به. والقلم: الذي يجال بين القوم كل انسان وقلمه وهو القدح والقلم: قص الظفر. ومقالم الرمح كعوبه. وأصله: قطع طرف الشئ.
الاعراب: قال أبو علي: إذ في قوله (إذ يلقون) متعلق بكنت. و (إذ) في قوله (إذ قالت الملائكة) بعد (يختصمون) متعلق بيختصمون. ويجوز أيضا أن يكون متعلقا بكنت، كأنه قال: وما كنت لديهم إذ قالت الملائكة. وهذا إنما يجوز عندي إذا قدرت (إذ) الثانية بدلا من الأولى. فإن لم تقدره هذا التقدير لم يجز،