أمركم فيه بلزوم الجماعة، والائتلاف على الطاعة، واثبتوا عليه، عن ابن مسعود وقتادة. وقيل: معناه لا تتفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن الحسن وقيل: عن القرآن بترك العمل به.
(واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم) قيل: أراد ما كان بين الأوس والخزرج، من الحروب التي تطاولت مائة وعشرين سنة، إلى أن ألف الله بين قلوبهم بالاسلام، فزالت تلك الأحقاد، عن ابن عباس. وقيل: هو ما كان بين مشركي العرب من الطوائل، عن الحسن. والمعنى: إحفظوا نعمة الله ومنته عليكم بالاسلام، وبالائتلاف، ورفع ما كان بينكم من التنازع والاختلاف، فهذا هو النفع الحاصل لكم في العاجل، مع ما أعد لكم من الثواب الجزيل في الاجل، إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم بجمعكم على الاسلام، ورفع البغضاء والشحناء عن قلوبكم.
(فأصبحتم بنعمته) أي: بنعمة الله (إخوانا) متواصلين، وأحبابا متحابين بعد أن كنتم متحاربين متعادين، وصرتم بحيث يقصد كل واحد منكم مراد الآخرين، لان أصل الأخ من توخيت الشئ: إذا قصدته وطلبته. (وكنتم على شفا حفرة من النار) أي: وكنتم يا أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم على طرف حفرة من جهنم، لم يكن بينها وبينكم إلا ا لموت، فأنقذكم الله منها بأن أرسل إليكم رسولا، وهداكم للايمان، ودعاكم إليه، فنجوتم بإجابته من النار. وإنما قال (فأنقذكم منها) وإن لم يكونوا فيها، لأنهم كانوا بمنزلة من هو فيها، من حيث كانوا مستحقين لدخولها. قال أبو الجوزاء: قرأ ابن عباس (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها)، واعرابي يسمع، فقال: والله ما أنفذهم منها، وهو يريد أن يقحمهم فيها! فقال ابن عباس:
اكتبوها من غير فقيه. (كذلك يبين الله لكم آياته) أي: مثل البيان الذي تلي عليكم، يبين الله لكم الآيات أي: الدلالات والحجج فيما أمركم به، ونهاكم عنه، (لعلكم تهتدون) أي: لكي تهتدوا إلى الحق والصواب.
(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (104) ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم (105)).