أيها المصدقون. وروي عن الصادق " عليه السلام " أنه قال: لذة ما في الندا، أزال تعب العبادة والعنا. وقال الحسن: إذا سمعت الله، عز وجل، يقول (يا أيها الذين آمنوا) فارع لها سمعك، فإنها لأمر تؤمر به، أو لنهي تنهى عنه. (كتب عليكم الصيام) أي: فرض عليكم العبادة المعروفة في الشرع. وإنما خص المؤمنين بالخطاب، لقبولهم لذلك، ولأن العبادة لا تصح إلا منهم. ووجوبه عليهم لا ينافي وجوبه على غيرهم.
وقوله: (كما كتب على الذين من قبلكم) فيه أقوال أحدها: إنه شبه فرض صومنا بفرض صوم من تقدمنا من الأمم أي: كتب عليكم صيام أيام، كما كتب عليهم صيام أيام، وليس فيه تشبيه عدد الصوم المفروض علينا، ولا وقته بعدد الصوم المفروض عليهم أو وقته، وهو اختيار أبي مسلم والجبائي.
وثانيها: إنه فرض علينا صوم شهر رمضان، كما كان فرض صوم شهر رمضان على النصارى، وكان يتفق ذلك في الحر الشديد، والبرد الشديد، فحولوه إلى الربيع، وزادوا في عدده، عن الشعبي والحسن. وقيل: كان الصوم علينا من العتمة إلى العتمة، ثم اختلف فيه، فقال بعضهم: كان يحرم الطعام والشراب من وقت صلاة العتمة إلى وقت صلاة العتمة. وقال بعضهم: كان يحرم من وقت النوم إلى وقت النوم، ثم نسخ ذلك فالمراد بقوله (الذين من قبلكم) النصارى، على قول الحسن والشعبي، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى على قول غيرهما.
قوله: (لعلكم تتقون) أي: لكي تتقوا المعاصي بفعل الصوم، عن الجبائي. وقيل: لتكونوا أتقياء بما لطف لكم في الصيام، فإنه أقوى الوسائل، والوصل إلى الكف عن المعاصي، كما روي عن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال: " خصاء أمتي الصوم ". وسأل هشام بن الحكم أبا عبد الله " عليه السلام " عن علة الصيام، فقال: إنما فرض الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك لأن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير، فأراد الله سبحانه أن يذيق الغني مس الجوع ليرق على الضعيف، ويرحم الجائع.
(أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له