وقيل: من يصرف أدلة الله عن وجوهها بالتأويلات الفاسدة الخالية من البرهان (فإن الله شديد العقاب) له. وقيل: شديد العقاب لمن عصاه. فيدخل فيه هذا المذكور.
وفي الآية دلالة على فساد قول المجبرة في أنه ليس لله سبحانه على الكافرين نعمة، لأنه حكم عليهم بتبديل نعم الله، كما قال في موضع آخر: (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) ونحو ذلك من وجه آخر، وهو أنه أضاف التبديل إليهم، وأوعدهم عليه بالعقوبة، فلو لم يكن فعلهم لما استحقوا العقوبة. والتبديل: هو أن يحرف، أو يكتم، أو يتأول على خلاف جهته، كما فعلوه في التوراة والإنجيل، وكما فعلوه مبتدعة الأمة في القرآن.
النظم: لما بين الله تعالى شرائعه، وأن الناس فيها ثلاث فرق: مؤمن وكافر ومنافق، ثم وعد وأوعد، بين بعد ذلك أن تركهم الإيمان ليس بتقصير في الحجج، ولكن لسوء طباعهم، وخبث أفعالهم، فقد فعلوا قبلك يا محمد هذا الصنيع، فقال:
(سل بني إسرائيل).
(زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب [212]).
اللغة: التزيين والتحسين: واحد. والزين: خلاف الشين. والزينة: اسم جامع لكل ما يتزين به.
الاعراب: (الدنيا * صفة الحياة. (بغير حساب): الجار والمجرور في محل النصب على الحال، والعامل فيه (يرزق). وذو الحال الضمير في (يرزق)، أو الموصول الذي هو (من يشاء). وتقديره: غير محاسب، أو غير محاسب.
النزول: نزلت الآية في أبي جهل، وغيره من رؤساء قريش، بسطت لهم الدنيا، وكانوا يسخرون من قوم من المؤمنين، فقراء، مثل عبد الله بن مسعود، وعمار وبلال وخباب ويقولون: لو كان محمد نبيا، لاتبعه أشرافنا، عن ابن عباس.
وقيل: نزلت في عبد الله بن أبي وأصحابه، يسخرون من ضعفاء المؤمنين، عن مقاتل. وقيل: نزلت في رؤساء اليهود من بني قريظة والنضير وقينقاع، سخروا من فقراء المهاجرين، عن عطا. ولا مانع من نزوله في جميعهم.