هدايته إياكم. (وإن كنتم) أي: وإنكم كنتم (من قبله) أي: من قبل الهدى.
وقيل: من قبل محمد " صلى الله عليه وآله وسلم "، فتكون الهاء كناية عن غير مذكور (لمن الضالين) عن النبوة والشريعة، فهداكم إليه.
(ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم [199]).
اللغة: الاستغفار: طلب المغفرة. والمغفرة: التغطية للذنب. والفرق بين غفور وغافر أن في غفور مبالغة لكثرة المغفرة. فأما غافر فيستحق الوصف به من وقع منه الغفران. والعفو: هو المغفرة، وقد فرق بينهما بان العفو: ترك العقاب على الذنب. والمغفرة: تغطية الذنب بإيجاب المثوبة، ولذلك كثرت المغفرة في صفات الله دون صفات العباد، فلا يقال أستغفر السلطان كما يقال أستغفر الله.
المعنى: (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) قيل فيه قولان أحدهما: إن المراد به الإفاضة من عرفات، وإنه أمر لقريش وحلفائها، وهم الحمس، لأنهم كانوا لا يقفون مع الناس بعرفة، ولا يفيضون منها، ويقولون: نحن أهل حرم الله، فلا نخرج منه. وكانوا يقفون بالمزدلفة ويفيضون منها، فأمرهم الله بالوقوف بعرفة، والإفاضة منها، كما يفيض الناس. والمراد بالناس سائر العرب، عن ابن عباس وعائشة وعطاء ومجاهد والحسن وقتادة، وهو المروي عن الباقر " عليه السلام ". وقال الضحاك: إنه أمر لجميع الحاج أن يفيضوا من حيث أفاض إبراهيم، عن الضحاك قال: ولما كان إبراهيم إماما، كان بمنزلة الأمة، فسماه وحده ناسا والثاني: إن المراد به الإفاضة من المزدلفة إلى منى يوم النحر، قبل طلوع الشمس للرمي والنحر، عن الجبائي قال: والآية تدل عليه لأنه قال: (فإذا أفضتم من عرفات).
ثم قال: (ثم أفيضوا) فوجب أن يكون إفاضة ثانية، فدل ذلك على أن الإفاضتين واجبتان. والناس المراد به إبراهيم كما أنه في قوله (الذين قال لهم الناس) نعيم بن مسعود الأشجعي. وقيل: إن الناس إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ومن بعدهم من الأنبياء، عن أبي عبد الله.
ومما يسأل على الأول أن يقال: إذا كان ثم للترتيب، فما معنى الترتيب هاهنا؟ وقد روى أصحابنا في جوابه: إن هاهنا تقديما وتأخيرا وتقديره " ليس عليكم