ولأنها صلاة لا تجمع مع غيرها، فهي منفردة بين مجتمعين. ويدل عليه من التنزيل قوله: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) يعني تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، وهو مكتوب في ديوان الليل وديوان النهار، قالوا: ويدل عليه آخر الآية وهو قوله: (وقوموا لله قانتين) يعني: وقوموا فيها لله قانتين. قال أبو رجاء العطاردي:
صلى بنا ابن عباس في مسجد البصرة صلاة الغداة، فقنت فيها قبل الركوع، ورفع يديه، فلما فرغ قال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين. أورده الثعلبي في تفسيره. وروي بإسناده مرفوعا إلى أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله يقنت في صلاة الغداة، حتى فارق الدنيا.
وسادسها: إنها إحدى الصلوات الخمس، لم يعينها الله وأخفاها في جملة الصلوات المكتوبة، ليحافظوا على جميعها، كما أخفى ليلة القدر في ليالي شهر رمضان، واسمه الأعظم في جميع الأسماء، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة، عن الربيع بن خيثم، وأبي بكر الوراق.
(وقوموا لله قانتين) قال ابن عباس: معناه داعين، والقنوت هو الدعاء في الصلاة في حال القيام، وهو المروي عن أبي جعفر، وأبي عبد الله. وقيل: معناه طائعين، عن الحسن وسعيد بن المسيب وقتادة والضحاك وطاووس، وإحدى الروايتين عن ابن عباس. وقيل: معناه خاشعين، عن مجاهد قال: نهوا عن العبث والالتفات في الصلاة. وقيل: ساكنين، عن ابن مسعود وزيد بن أرقم. والأصل فيه الإتيان بالدعاء، أو غيره من العبادات، في حال القيام. ويجوز أن يطلق في سائر الطاعات، فإنه وإن لم يكن فيه القيام الحقيقي، فان فيه القيام بالعبادة.
(فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون [239]).
اللغة: الرجال: جمع راجل، مثل تجار، وصحاب، وقيام في جمع تاجر، وصاحب، وقائم. والراجل: هو الكائن على رجله، واقفا كان أو ماشيا. والركبان:
جمع راكب، كالفرسان جمع فارس، وكل شئ علا شيئا فقد ركبه، والركاب:
المطي. وركبت الرجل أركبه ركبا أي: ضربته بركبتي، وأصبت ركبته أيضا. وهذا قياس في جميع الأعضاء نحو: رأسته، وبطنته، وظهرته.