يقول له كن فيكون: النصب عطفا على (يقول).
المعنى: (قالت) مريم يا (رب أنى يكون) أي: كيف يكون (لي ولد ولم يمسسني بشر) لم تقل ذلك استبعادا واستنكارا، بل إنما قالت استفهاما واستعظاما لقدرة الله، لأن في طبع البشر التعجب مما خرج عن المعتاد. وقيل: إنما قالت ذلك لتعلم أن الله تعالى يرزقها الولد، وهي على حالتها، لم يمسها بشر، أو يقر لها زوجا. ثم يرزقها الولد على مجرى العادة.
(قال كذلك الله يخلق ما يشاء) أي: يخلق ما يشاء مثل ذلك، وهو حكاية ما قال لها الملك أي: يرزقك الولد وأنت على هذه الحالة، لم يمسك بشر (إذا قضى أمرا) أي: خلق أمرا. وقيل: إذا قدر أمرا (فإنما يقول له كن فيكون) وقيل في معناه قولان أحدهما: إنه إخبار بسرعة حصول مراد الله في كل شئ أراد حصوله من غير مهلة، ولا معاناة، ولا تكلف سبب، ولا أداة. وإنما كنى بهذا اللفظ، لأنه لا يدخل في وهم العباد شئ أسرع من كن فيكون والآخر: إن هذه الكلمة، كلمة جعلها الله علامة للملائكة فيما يريد إحداثه وايجاده، لما فيه من المصلحة والاعتبار.
وإنما استعمل لفظة الأمر فيما ليس بأمر هنا، ليدل بذلك على أن فعله بمنزلة فعل المأمور، في أنه لا كلفة فيه على الآمر.
(ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل [48] ورسولا إلى بني إسرائيل أنى قد جئتكم بأية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لأية لكم إن كنتم مؤمنين [49]).
عد أهل الكوفة التوراة والإنجيل آية، ولم يعدوا بني إسرائيل لتنكر الاستئناف بأن المفتوحة. وعد غيرهم بني إسرائيل، ولم يعدوا الإنجيل. طلبوا تمام صفة المسيح، لأن تقديره ومعلما ورسولا.
القراءة: قرأ أهل المدينة وعاصم ويعقوب وسهل: (ويعلمه) بالياء. والباقون