القتل أي: كتب آجالهم وموتهم وقتلهم، في اللوح المحفوظ، في ذلك الوقت إلى مصارعهم، وذلك أن ما علم الله كونه، فإنه يكون كما علمه لا محالة. وليس في ذلك أن المشركين غير قادرين على ترك القتال، من حيث علم الله ذلك منهم وكتبه، لأنه كما علم أنهم لا يختارون ذلك، علم أنهم قادرون. ولو وجب ذلك، لوجب أن يكون تعالى قادرا على ما علم أنه لا يفعله، والقول بذلك كفر (وليبتلي الله ما في صدوركم) أي: يختبر الله ما في صدوركم بأعمالكم، لأنه قد علمه غيبا، فيعلمه شهادة، لأن المجازاة إنما تقع على ما علم مشاهدة، لا على ما هو معلوم منهم، غير معمول، عن الزجاج. وقيل: معناه ليعاملكم معاملة المبتلين، مظاهرة في العدل عليكم. وقيل: إنه عطف على قوله: (ثم صرفهم عنكم ليبتليكم وليبتلي ما في صدوركم) (وليمحص ما في قلوبكم) أي: يخلص. وقيل: هذا خطاب للمنافقين أي: يأمركم بالخروج، فلا تخرجون، فيطهر للمسلمين معاداتكم لهم، وتنكشف أسراركم فلا يعدكم المسلمون من جملتهم. وقيل: معناه ليبتلي أولياء الله ما في صدوركم كما في قوله: (الذين يحاربون الله ورسوله ويؤذون الله ورسوله) وقيل: إنه عطف على قوله (أمنة نعاسا) أي: ليظهر عند هذه الأحوال موافقة باطنكم ظاهركم، وليمحص ما في قلوبكم أي: يطهرها من الشك بما يريكم من عجائب صنعه، ويخلص نياتكم. وهذا التمحيص خاص للمؤمنين دون المنافقين (والله عليم بذات الصدور) معناه: إن الله لا يبتليكم ليعلم ما في صدوركم، فإن الله عليم بذلك، وإنما ابتلاكم ليظهر أسراركم، فيقع الجزاء على ما ظهر.
(إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم [155]).
المعنى: ثم ذكر الله الذين انهزموا يوم أحد أيضا فقال: (إن الذين تولوا منكم) أي: إن الذين ولوا الدبر على المشركين بأحد منكم أيها المسلمون، عن قتادة والربيع. وقيل: هم الذين هربوا إلى المدينة في وقت الهزيمة، عن السدي.
(يوم التقى الجمعان) جمع المسلمين وسيدهم رسول الله، وجمع المشركين ورئيسهم أبو سفيان. (إنما استزلهم الشيطان) أي: طلب زلتهم، عن القتيبي.
وقيل: أزل واستزل بمعنى (ببعض ما كسبوا) من معاصيهم السالفة، فلحقهم