جبرائيل! إنه مني. فقال جبرائيل: وأنا منكما (وأنفسكم) يعني من شئتم من رجالكم.
(ثم نبتهل) أي: نتضرع في الدعاء، عن ابن عباس. وقيل: نلتعن فنقول:
لعن الله الكاذب. (فنجعل لعنة الله على الكاذبين) منا. وفي هذه الآية دلالة على أنهم علموا أن الحق مع النبي، لأنهم امتنعوا عن المباهلة، وأقروا بالذل والخزي لقبول الجزية. فلو لم يعلموا ذلك لباهلوه، فكان يظهر ما زعموا من بطلان قوله في الحال. ولو لم يكن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " متيقنا بنزول العقوبة بعدوه دونه، لما أدخل أولاده، وخواص أهله في ذلك، مع شدة إشفاقه عليهم.
(إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم [62] فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين [63]).
اللغة: القصص: القصة. وفعل بمعنى مفعول. كالنقض والقبض.
والقصص: جمع القصة. ويقال: اقتصصت الحديث، وقصصته قصا وقصصا:
رويته على جهته، وهو من اقتصصت الأثر أي: اتبعته. ومنه اشتق القصاص.
والقصص: الخبر الذي تتابع فيه المعاني. والتولي عن الحق: اعتقاد خلافه، لأنه كالادبار عنه بعد الإقبال عليه. وأصل التولي: كون الشئ على خلاف ما توجبه الحكمة. والإصلاح:
إيقاعه على ما توجبه الحكمة. والفرق بين الفساد والقبيح أن الفساد تغيير عن المقدار الذي تدعوا إليه الحكمة، وليس كذلك القبيح، لأنه ليس فيه معنى المقدار، وإنما هو ما تزجر عنه الحكمة، كما أن الحسن ما تدعوا إليه الحكمة.
الاعراب: (ما من إله إلا الله): دخول (من) فيه لعموم النفي لكل إله غير الله، وإنما أفادت (من) هذا المعنى لأن أصلها لابتداء الغاية، فدلت على استغراق النفي لابتداء الغاية إلى انتهائها. وقوله (لهو) يجوز أن يكون هو فصلا، ويسميه الكوفيون عمادا، فلا يكون له موضع من الإعراب. ويكون (القصص) خبر إن، ويجوز أن يكون مبتدأ، و (القصص) خبره، والجملة خبر إن.
المعنى: (إن هذا لهو القصص الحق) معناه: إن هذا الذي أوحينا إليك في أمر عيسى " عليه السلام " وغيره، لهو الحديث الصدق، فمن خالفك فيه مع وضوح الأمر،