فقد أوقعها على وجه لا طريق له إلى استدراكه وتلافيه، لوقوعها على الوجه الذي لا يستحق عليه الثواب، فإن وجوه الأفعال تابعة لحدوث الأفعال، فإذا فاتت، فلا طريق إلى تلافيها. وليس في الآية ما يدل على أن الثواب الثابت المستقر يبطل ويزول بالمن فيما بعد، ولا بالرياء الذي يحصل فيما يستقبل من الأوقات على ما قاله أهل الوعيد.
(لا يقدرون على شئ مما كسبوا) أي: لا يقدر هؤلاء على نفقتهم، ولا على ثوابها، ولا يعلمون أين النفقة، وأين ثوابها، ولا يحصلون منها على شئ، كما لا يحصل أحد على التراب أذهبه المطر عن الحجر. فقد تضمنت الآية، والآي التي قبلها، الحث على الصدقة، وإنفاق المال في سبيل الخير، وأبواب البر، ابتغاء مرضاة الله، والنهي عن المن والأذى، والرياء والسمعة، والنفاق، والخبر عن بطلان العمل بها.
ومما جاء في معناه من الحديث ما رواه ابن عباس عن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " قال: " إذا كان يوم القيامة، نادى مناد يسمع أهل الجمع: أين الذين كانوا يعبدون الناس؟ قوموا خذوا أجوركم ممن عملتم له، فإني لا أقبل عملا خالطه شئ من الدنيا وأهلها.
وروي عن أبي عبد الله " عليه السلام " قال: قال رسول الله: (من أسدى إلى مؤمن معروفا، ثم آذاه بالكلام، أو من عليه، فقد أبطل الله صدقته. ثم ضرب فيه مثلا فقال:
(كالذي ينفق ماله رئاء الناس) إلى قوله (الكافرين). وقال أبو عبد الله " عليه السلام ": ما من شئ أحب إلي من رجل سلفت مني إليه يد أتبعته أختها، وأحسنت ربها له، لأني رأيت منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل.
(والله لا يهدي القوم الكافرين) أي: لا يثيب الكافرين على أعمالهم إذ كان الكفر محبطا لها، ومانعا من استحقاق الثواب عليها، وإنما يثيب المؤمنين الذين يوقعون أعمالهم على الوجوه التي يستحق بها الثواب. وقيل: معناه لا يهديهم إلى الجنة بأعمالهم، كما يهدي المؤمنين. وقيل: معناه لا يعطيهم ما يعطي المؤمنين من زيادة الألطاف والتوفيق.
(ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير [265]).