الخلق، فلا يجوز أن يؤتيه الله إلا من يعلم أنه يدعو إلى الصلاح والسداد والرشاد، دون من يدعو إلى الكفر والفساد، ولا يصح منه لعلمه بالغيوب والسرائر، تفويض الولاية إلى من هذا سبيله، لما في ذلك من الاستفساد. وقيل: إن الهاء تعود إلى إبراهيم، عن أبي القاسم البلخي.
ويسأل على هذا فيقال: كيف يكون الملك لإبراهيم والحبس والإطلاق إلى نمرود؟ وجوابه: إن الحبس والإطلاق، والأمر والنهي، كان من جهة الله لإبراهيم، وإنما كان نمرود يفعل ذلك على وجه القهر والغلبة، لا من جهة ولاية شرعية (إذ قال إبراهيم ري الذي يحمي ويميت) في الكلام حذف، وهو إذ قال له نمرود من ربك؟
فقال: ربي الذي يحيي ويميت. بدأ بذكر الحياة، لأنها أول نعمة ينعم الله بها على خلقه، ثم يميتهم. وهذا أيضا لا يقدر عليه إلا الله تعالى، لأن الإماتة هي أن يخرج الروح من بدن الحي، من غير جرح، ولا نقص بنية، ولا إحداث فعل بالبدن من جهته، وهذا خارج عن قدرة البشر.
(قال انا أحيي وأميت) أي: فقال نمرود أنا أحيي بالتخلية من الحبس من وجب عليه القتل، وأميت بالقتل من شئت ممن هو حي. وهذا جهل من الكافر، لأنه اعتمد في المعارضة على العبارة فقط دون المعنى، عادلا عن وجه الحجة بفعل الحياة للميت، أو الموت للحي، على سبيل الاختراع الذي ينفرد به تعالى، ولا يقدر عليه سواه (قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) قيل في انتقاله من حجة إلى أخرى وجهان أحدهما: إن ذلك لم يكن انتقالا وانقطاعا عن إبراهيم، فإنه يجوز من كل حكيم إيراد حجة أخرى على سبيل التأكيد، بعد تمام ما ابتدأ به من الحجاج. وعلامة تمامه ظهوره من غير اعتراض عليه بشبهة لها تأثير عند التأمل والتدبر، لموقعها من الحجة المعتمد عليها. والثاني: إن إبراهيم إنما قال ذلك، ليبين أن من شأن من يقدر على إحياء الأموات، وإماتة الأحياء، أن يقدر على إتيان الشمس من المشرق. فإن كنت قادرا على ذلك فأت بها من المغرب. وإنما فعل ذلك لأنه لو تشاغل معه بأني أردت اختراع الموت والحياة من غير سبب ولا علاج، لاشتبه على كثير ممن حضر، فعدل إلى ما هو أوضح، لأن الأنبياء إنما بعثوا للبيان والإيضاح. وليست أمورهم مبنية على تحاج الخصمين، وطلب كل واحد منهما غلبة خصمه.