موضع حضره النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخل من ظفر، اما في ابتداء الامر، واما في انتهائه، وإنما لم يستمر ذلك لما بيناه.
وقوله (وليعلم الله الذين آمنوا) المفعول الثاني ليعلم محذوف، وتقديره وتلك الأيام نداولها بين الناس لوجوه من المصالح، وضروب من الحكمة، وليعلم الله الذين آمنوا متميزين بالايمان من غيرهم. وعلى هذا لا يكون يعلم بمعنى يعرف، لأنه ليس المعنى أنه يعرف الذوات، بل المعنى أنه يعلم تميزها بالايمان. ويجوز أن يكون المعنى ليعلم الله الذين آمنوا بما يظهر من صبرهم على جهاد عدوهم أي:
يعاملهم معاملة من يعرفهم بهذه الحال. وإذا كان الله تعالى يعلمهم قبل إظهارهم الايمان، كما يعلمهم بعده، فإنما يعلم قبل الاظهار أنهم سيميزون، فإذا أظهروه علمهم متميزين.
ويكون التغير حاصلا في المعلوم، لا في العالم، كما أن أحدنا يعلم الغد قبل مجيئه، على معنى أنه سيجئ. فإذا جاء علمه جائيا، وعلمه يوما لا غدا. فإذا انقضى، فإنما يعلمه الأمس، لا يوما، ولا غدا. ويكون التغير واقعا في المعلوم لا في العالم. وقيل: معناه وليعلم أولياء الله الذين آمنوا، وإنما أضاف إلى نفسه تفخيما. وقيل: معناه ليظهر المعلوم من صبر من يصبر، وجزع من يجزع، وايمان من يؤمن. وقيل: ليظهر المعلوم من الاخلاص والنفاق، ومعناه: ليعلم الله المؤمن من المنافق، فاستغنى بذكر أحدهما عن الاخر. وقوله: (ويتخذ منكم شهداء) قيل فيه قولان أحدهما: ان معناه ليكرم بالشهادة من قتل يوم أحد، عن الحسن وقتادة وابن إسحاق والاخر: ويتخذ منكم شهداء على الناس، بما يكون منهم من العصيان، لما لكم في ذلك من جلالة القدر، وعلو المرتبة، والشهداء يكون جمع شاهد. وجمع شهيد عن أبي علي الجبائي. وإنما سموا شهداء لمشاهدتهم الاعمال التي يشهدون بها. وأما في جمع الشهيد، فلأنهم بذلوا الروح عند شهود الوقعة، ولم يفروا. (والله لا يحب الظالمين) ظاهر المعنى وفائدته: انه تعالى بين أنه لا يمكن الظالمين منهم لمحبته لهم، ولكن لأحد المعاني التي ذكرها، وليمحص ذنوب المؤمنين، كما قاله فيما بعد.
(وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين 141).