الحاجة. وقد علموا أن الله لا يطلب القرض، وإنما ذلك تلطيف في الاستدعاء إلى الانفاق. وإنما قالوه تلبيسا على عوامهم. وقيل: معناه قالوا إن الله فقير، لأنه يضيق علينا الرزق، ونحن أغنياء لأنا نوسع الرزق على أهالينا. (سنكتب ما قالوا) قيل:
معناه سنحفظ ما قالوا وكني بالكتابة عن الحفظ، لأنه طريق إلى الحفظ. وقيل: نأمر بكتب ذلك في صحائف أعمالهم. وإنما يفعل ذلك مبالغة في الزجر عن المعصية، لأن المكلف إذا علم أن أفعاله وأقواله مكتوبة في الصحائف، وأنه لا بد من عرضها عليه، ومن قراءته على رؤوس الأشهاد يوم التناد، كان ذلك أبلغ له في الزجر عن المآثم، وأمنع عن ارتكاب الجرائم.
(وقتلهم الأنبياء بغير حق) أي: وسنكتب قتل أسلافهم الأنبياء، ورضى هؤلاء به، فنجازي كلا بفعله. وفيه دلالة على أن الرضا بفعل القبيح، يجري مجراه في عظم الجرم، لأن اليهود الذين وصفوا بقتل الأنبياء، لم يتولوا ذلك بأنفسهم، وإنما ذموا بذلك لأنهم بمنزلة من تولاه في عظم الإثم. (ونقول ذوقوا عذاب الحريق) يعني المحرق. وإنما الفائدة فيه أن يعلم أن العذاب بالنار التي تحرق، وهي الملتهبة، لأن ما لم تلتهب لا يسمى حريقا. وقد يكون العذاب بغير النار، ويفيد قوله: (ذوقوا انكم لا تتخلصون من ذلك) يقال: ذق هذا البلاء أي: إنك لست بناج منه (ذلك) إشارة إلى ما سبق أي: ذلك العقاب.
(بما قدمت أيديكم) معناه: بما كنتم عملتموه وجنيتموه على أنفسكم (وأن الله ليس بظلام للعبيد) أي: بأن الله لا يظلم أحدا من عباده. وإنما أضافه إلى اليد، وإن كانت تكتسب الذنوب بجميع الجوارح، لأن عامة ما يكسبه الانسان إنما يكسبه بيده، ولأن العادة قد جرت بإضافة الأعمال التي يلابسها الانسان إلى اليد، وإن كان اكتسبها بجارحة أخرى. فجرى خطاب القديم تعالى على عادتهم. وفي هذا دلالة على بطلان مذهب المجبرة لأنه يدل على أنه لو وقع العقاب من غير جرم سلف من العبد، لكان ظلما، وذلك على خلاف ما يذهبون إليه من أنه سبحانه يعذب الكفار من غير جرم سلف منهم، وأنه يخلق فيهم الكفر، ثم يعذبهم عليه، لأنه لا ظلم أعظم من ذلك. وإنما ذكر لفظ الظلام، وهو للتكثير، تأكيدا لنفي الظلم عنه.
(الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم