المال، أو مما كسبتموه، أو أخرجه الله لكم من الأرض، فتنفقون منه. وقيل:
المراد بالخبيث ههنا الحرام. ويقوي القول الأول قوله: (ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) لأن الإغماض لا يكون إلا في الشئ الردئ، دون ما هو حرام، وفيه قولان أحدهما: إن معناه لا تتصدقوا بما لا تأخذونه من غرمائكم، إلا بالمسامحة والمساهلة. فالإغماض هاهنا المساهلة، عن البراء بن عازب. والآخر: إن معناه بما لا تأخذونه إلا أن تحطوا من الثمن فيه، عن الحسن وابن عباس وقتادة. ومثله قول الزجاج: ولستم بآخذيه إلا في وكس، فكيف تعطونه في الصدقة.
(واعلموا أن الله غني) عن صدقاتكم (حميد) أي: مستحق للحمد على نعمه. وقيل: مستحمد إلى خلقه بما يعطيهم من النعم أي: مستدع لهم إلى ما يوجب لهم الحمد. وقيل: إنه بمعنى الحامد أي: إنه مع غناه عنكم وعن صدقاتكم، يقبلها منكم، ويحمدكم عليها. وحميد بهذا الموضع أليق من حليم، كما أن حليما بالآية المتقدمة أليق من حميد، لأنه سبحانه لما أمر بالإنفاق من طيبات المكاسب، بيق أنه غني عن ذلك، وأنه يحمد فاعله إذا فعله على ما أمره به، ومعناه أنه يجازيه عليه.
(الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم [268]).
اللغة: الفقر: الحاجة، وهو ضد الغنى. والفقر: لغة فيه، يقال: أفقره الله إفقارا، وافتقر افتقارا، لأن الفقر بمنزلة كسر الفقار في تعذر المراد. والفقار: عظام منتظمة في النخاع تسمى خرز الظهر، واحدتها فقرة. والإفقار: إعادة الدابة لتركب، ثم ترد. والفاقرة: الداهية، لأنها تكسر الفقار. ويقال: وعدته الخير، ووعدته بالخير وعدا وعدة وموعدة وموعدا وموعودا وموعودة. والفرق بين الوعد والوعيد أن الوعيد في الشر خاصة. والوعد: يصلح بالتقييد للخير والشر معا، غير أنه إذا أطلق اختص بالخير، وكذلك إذا أبهم التقييد كما يقال: وعدته بأشياء، لأنه بمنزلة المطلق. والفحشاء: الفحش. والفاحش: البخيل، قال طرفة:
أرى الموت يعتام الكرام، ويصطفي * عقيلة مال الفاحش المتشدد (1)