(ها أنتم هؤلاء) يا معشر اليهود والنصارى، وهو في الظاهر تنبيه على أنفسهم، والمراد به التنبيه على حالهم. إذ التنبيه إنما يكون فيما قد يغفل عنه الانسان دون ما يعلمه (حاججتم) جادلتم وخاصمتم (فيما لكم به علم) معناه:
حاججتم، ولكم به علم، لوجود اسمه في التوراة والإنجيل (فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) أي: فلم تحاجون في دينه وشرعه (1)، وليس لكم به علم؟ لم ينكر الله تعالى عليهم محاجتهم فيما علموه، وإنما أنكر عليهم محاجتهم فيما لم يعلموا (والله يعلم) شأن إبراهيم ودينه، وكل ما ليس عليه دليل، لأنه العالم لجيمع المعلومات (وأنتم لا تعلمون) ذلك (2)، فلا تتكلموا فيه، ولا تضيفوا إليه ما لا تعلمونه، واطلبوا علم ذلك ممن يعلمه.
(ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين [67] إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولى المؤمنين [68]).
اللغة: قد ذكرنا الأصل في اليهود والنصارى والحنيف في سورة البقرة.
وأولى (3): الذي هو بمعنى أفعل من غيره. لا يثنى، ولا يجمع، لأنه يتضمن معنى الفعل والمصدر، على تقدير يزيد فضله على فضله في أفضل منه. ومعنى قولنا:
هذا الفعل أولى من غيره أي: بأن يفعل. وقولنا: زيد أولى من غيره معناه: إنه على حال هو أحق بها من غيره. والاتباع: جريان الثاني على طريقة الأول من حيث هو عليه، كالمدلول الذي يتبع الدليل في سلوك الطريق، أو في التصحيح، لأنه إن صح الدليل صح المدلول عليه بصحته، وكذلك المأموم الذي يتبع طريقة الإمام.
المعنى: ثم كذب الله اليهود والنصارى فقال: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا) نزه إبراهيم وبرأه عن اليهودية والنصرانية، لأنهما صفتا ذم قد دل القران والإجماع على ذلك. وهذا يدل على أن موسى أيضا لم يكن يهوديا، ولم يكن عيسى نصرانيا. فإن الدين عند الله الاسلام. واليهودية ملة محرفة عن شرع موسى.
والنصرانية ملة محرفة عن شرع عيسى. فهما صفتا ذم جرتا على فرقتين ضالتين.