ضم كفرا إلى كفر. وإذا استحل الربا، ولم يعقد عقد الربا، لم يلحقه من المندمة ما يلحق من جمع بين الأمرين. فالجمع بين الأمرين يستدعي من غضب الله ما لا يستدعيه أحد الأمرين. وروي عن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال: " يأتي على الناس زمان، لا يبقى أحد إلا أكل الربا فمن لم يأكله أصابه من غباره ".
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون [277]).
المعنى: هذه الآية ظاهرة المعنى، وقد مر تفسيرها فيما مضى، وإنما جمع بين هذه الخصال، لأن الثواب لا يستحق على كل واحدة منها، إذ لو كان كذلك لكان فيه تصغير من كل واحدة منها، ولكن جمع بينها للترغيب في الأعمال الصالحة، والتفخيم لأمرها، والتعظيم لشأنها، أو لبيان أن الجمع بين هذه الخصال أعظم أجرا من الإفراد بواحدة منها. ونظيره قوله سبحانه: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله) الآية.
فجمع بين هذه الخصال في الوعيد، ليبين أن الوعيد يستحق بكل واحدة منها، وللتحذير عن كل خصلة منها، لأن من المعلوم أن من دعا مع الله إلها آخر، لا يحتاج إلى شرط عمل آخر في استحقاق الوعيد، إذ لو كان الوعيد إنما يستحق بمجموع تلك الخصال، لكان فيه تسهيل لكل واحد منها. وقد ذكرنا أن أمثال هذه الآية تدل على أن الإيمان ليس من أفعال الجوارح، ولا مشتملا عليها، إذ لو كان كذلك لما صار لعطفها عليه معنى، لأن الشئ لا يعطف على نفسه.
فإن قالوا: إن ذلك يجري مجرى قوله (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله والذين كفروا وكذبوا بآياتنا) فنقول: إن الخلاف ها هنا كالخلاف هناك، لأن التكذيب عندنا ليس بالكفر نفسه، وإنما هو دلالة على الكفر، وكذلك الصد عن سبيل الله. واستدل بهذه الآية وأمثالها في بطلان التحابط، لأنه تعالى ضمن الثواب بنفس هذه الخصال، ولم يشترط أن لا يؤتى بما يحبطها.
فإن قالوا: لا بد من هذا الشرط، كما أن الوعيد على الكفر لا بد أن يكون مشروطا بارتفاع التوبة؟ فالجواب: إن التوبة إنما صارت شرطا هناك، لمكان إجماع المسلمين، لا لأن التوبة مسقطة للعقاب، وإنما وعد الله تعالى بإسقاط العقاب