الحنيف: الاستقامة، وإنما وصف المائل القدم بأحنف تفاؤلا. وقيل: أصله الميل. فالحنيف: هو المائل إلى الحق فيما كان عليه إبراهيم من الشرع.
المعنى: ثم بين تعالى أن الصدق فيما أخبر به، فقال: (قل صدق الله) في أن (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) وفي أن محمدا " صلى الله عليه وآله وسلم " على دين إبراهيم، وأن دينه الاسلام. (فاتبعوا ملة إبراهيم) في استباحة لحوم الإبل وألبانها. (حنيفا) أي: مستقيما على الدين الذي هو شريعته في حجه، ونسكه، وطيب مأكله، وتلك الشريعة هي الحنيفية. وقيل: مائلا عن سائر الأديان الباطلة إلى دين الحق.
(وما كان من المشركين) برأ الله تعالى إبراهيم مما كان ينسبه اليهود والنصارى إليه بزعمهم أنهم على دينه، وكذلك مشركوا العرب. وأخبر أن إبراهيم كان بريئا من المشركين ودينهم. والصحيح أن نبينا " صلى الله عليه وآله وسلم " لم يكن متعبدا بشريعة من تقدم من الأنبياء، ولكن وافقت شريعته شريعة إبراهيم، فلذلك قال: (فاتبعوا ملة إبراهيم) وإلا فالله تعالى هو الذي أوحى بها إليه، وأوجبها عليه، وكانت شريعة له، وإنما رغب الله في شريعة الاسلام بأنها ملة إبراهيم، لأن المصالح إذا وافقت ما تسكن إليه النفس، ويقبله العقل بغير كلفة، كانت أحق بالرغبة فيها. وكان المشركون يميلون إلى اتباع ملة إبراهيم " عليه السلام " فلذلك خوطبوا بذلك.
(إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين [96] فيه آيات بينات مقام إبراهيم من دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين [97]).
القراءة: قرأ أهل الكوفة، غير أبي بكر وأبي جعفر: (حج البيت) بكسر الحاء والباقون بفتحها.
الحجة: قال سيبويه: حج حجا مثل ذكر ذكرا، فحج على هذا: مصدر فهذا حجة لمن كسر الحاء. وقال أبو زيد: الحجج السنون، واحدتها حجة. قال أبو علي: يدل على ذلك قوله (ثماني حجج). قال: الحجة من حج البيت الواحدة.
قال سيبويه: قالوا حجة أرادوا عمل سنة، ولم يجيئوا بها على الأصل، ولكنه اسم