والصحيح أن ذلك إنما يجب في السمع، وليس في العقل ما يدل على وجوبه، إلا إذا كان على سبيل دفع الضرر. وقال أبو علي الجبائي: يجب عقلا، والسمع يؤكده، ومما ورد فيه ما رواه الحسن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، فهو خليفة الله في أرضه، وخليفة رسول الله، وخليفة كتابه ". وعن درة ابنة أبي لهب قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله! من خير الناس؟ قال: " آمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأتقاهم لله، وأرضاهم ". وقال أبو الدرداء: لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم سلطانا ظالما، لا يجل كبيركم، ولا يرحم صغيركم، وتدعو خياركم فلا يستجاب لهم، وتستنصرون فلا تنصرون، وتستغيثون فلا تغاثون، وتستغفرون فلا تغفرون. وقال حذيفة: يأتي على الناس زمان لان يكن فيهم جيفة حمار، أحب إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر.
ثم أمر سبحانه بالجماعة، وترك التفرق، فقال سبحانه: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا في الدين، وهم اليهود والنصارى (واختلفوا) قيل معناه: تفرقوا أيضا وذكرهما للتأكيد واختلاف اللفظين، كقول الشاعر: " متى أدن منه ينأ عني ويبعد ".
وقيل: معناه كالذين تفرقوا بالعداوة، واختلفوا في الديانة (من بعد ما جاءهم البيانات) أي: الحجج والكتب، وبين لهم الطرق (وأولئك لهم عذاب عظيم) عقوبة لهم على تفرقهم واختلافهم، بعد مجئ الآيات والبيانات. والآية تدل على تحريم الاختلاف في الدين، وأن ذلك مذموم قبيح، منهي عنه.
(يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (106) وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خلدون (107)).
الاعراب: العامل في قوله (يوم) قوله (عظيم)، وتقديره عظيم عذابهم يوم تبيض وجوه. ولا يجوز أن يكون العامل فيه (عذاب) لأنه موصوف قد فصلت صفة بينه وبين معموله. لكن يجوز أن تعمل فيه الجملة، لأنها في معنى يعذبون كما يقال: المال لزيد يوم الجمعة. فالعامل الفعل والجملة خلف منه. وجواب (أما)