(ويكلم الناس في المهد) أي: صغيرا. والمهد: الموضع الذي يمهد لنوم الصبي، ويعني بكلامه (في المهد) قوله: (إني عبد الله آتاني الكتاب) الآية.
ووجه كلامه (في المهد) أنه تبرئة لأمه مما قذفت به، وجلالة له بالمعجزة التي ظهرت فيه.
(وكهلا) أي: ويكلمهم كهلا بالوحي الذي يأتيه من الله، أعلمها الله تعالى أنه يبقى إلى حال الكهولة. وفي ذلك إعجاز لكون المخبر على وفق الخبر. وقيل:
إن المراد به الرد على النصارى بما كان فيه من التقلب في الأحوال، لأن ذلك مناف لصفة الإله (ومن الصالحين) أي: ومن النبيين مثل إبراهيم وموسى. وقيل: إن المراد بالآية (ويكلمهم في المهد) دعاء إلى الله، وكهلا بعد نزوله من السماء، ليقتل الدجال، وذلك لأنه رفع إلى السماء، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وذلك قبل الكهولة، عن زيد بن أسلم.
وفي ظهور المعجزة في المهد قولان أحدهما: إنها كانت مقرونة بنبوة المسيح، لأنه تعالى أكمل عقله في تلك الحال، وجعله نبيا، وأوحى إليه بما تكلم به، عن الجبائي. وقيل: كان ذلك على التأسيس والإرهاص (1) لنبوته، عن ابن الأخشيد.
ويجوز عندنا الوجهان. ويجوز أيضا أن يكون معجزة لمريم تدل على طهارتها، وبراءة ساحتها، إذ لا مانع من ذلك، وقد دلت الأدلة الواضحة على جوازه. وإنما جحدت النصارى كلام المسيح في المهد، مع كونه آية ومعجزة، لأن في ذلك إبطالا لمذهبهم، لأنه قال: (إني عبد الله) وهذا ينافي قولهم إنه ابن الله. فاستمروا على تكذيب من أخبر أنه شاهده كذلك.
(قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون [47]).
الاعراب: (فيكون): هاهنا لا يجوز فيه غير الرفع، لأنه لا يصلح أن يكون جوابا للأمر الذي هو (كن) لأن الجواب يجب بوجود الأول نحو: ائتني فأكرمك، وقم فأقوم معك. ولا يجوز قم فيقوم، لأنه يكون على تقدير قم فإنك إن تقم يقم.
وهذا لا معنى له، ولكن الوجه الرفع عذ الإخبار بأنه سيقوم. ويجوز في قوله: أن