اتباع الحق (ذلك) معناه: شأنهم ذلك، فهو خبر مبتدأ محذوف. فالله تعالى بين العلة في إعراضهم عنه، مع معرفتهم به، والسبب الذي جرأهم على الجحد والإنكار. (بأنهم قالوا لن تمسنا النار) أي: لن تصيبنا النار (إلا أياما معدودات) وفيه قولان أحدهما: إنها الأيام التي عبدوا فيها العجل، وهي أربعون يوما، عن الربيع وقتادة والحسن. إلا أن الحسن قال سبعة أيام والثاني: إنهم أرادوا أياما منقطعة، عن الجبائي.
(وغرهم في دينهم) أي: أطمعهم في غير مطمع (ما كانوا يفترون) أي:
افتراءهم وكذبهم. واختلفوا في الافتراء الذي غرهم على قولين أحدهما: قولهم (نحن أبناء الله وأحباؤه)، عن قتادة والآخر: قولهم (لن تمسنا النار إلا أياما معدودات)، عن مجاهد. وهذا لا يدل على خلاف ما نذهب إليه من جواز العفو، وإخراج المعاقبين من أهل الصلاة من النار، لأنا نقول إن عقاب من ثبت دوام ثوابه بإيمانه، لا يكون إلا منقطعا، وإن لم يحط علما بقدر عقابه، ولا نقول أيام عقابه بعدد أيام عصيانه، كما قالوا. وبين القولين بون ظاهر.
(فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون [266]).
اللغة: كيف: موضوعة للسؤال عن الحال، ومعناه هاهنا: التنبيه بصيغة السؤال على حال من يساق إلى النار، وفيه بلاغة واختصار شديد، لأن تقديره: أي حال يكون حال من اغتر بالدعاوي الباطلة، حتى أداه ذلك إلى الخلود في النار؟ ونظيره قول القائل: (أنا أكرمك وإن لم تجئ فكيف إذا جئتني) معناه: فكيف إكرامي لك إذا جئتني؟ يريد عظم الإكرام. والتقدير: فكيف حالهم إذا جمعناهم أي: في وقت جمعهم، لأنه خبر مبتدأ محذوف.
المعنى: ثم أكد سبحانه ما تقدم، فقال: (فكيف) حالهم (إذا جمعناهم) أي: وقت جمعهم، وحشرهم (ليوم) أي: لجزاء يوم (لا ريب فيه) لا شك فيه لمن نظر في الأدلة، إذ ليس فيه موضع ريبة وشك. ولو قال جمعناهم في يوم، لم يدل على الجزاء. واللام يدل على ذلك، كما يقال: جئته ليوم الخميس أي: لما يكون في يوم الخميس، ولا يعطي جئته في يوم الخميس هذا المعنى. (ووفيت كل