الوصف بأنه لا يخفى عليه شئ، يدل على أنه يعلمه من كل وجه يصح أن يعلم منه، مع ما فيه من التصرف في العبارة، وإنما لا يخفى عليه شئ لأنه عالم لنفسه، فيجب أن يعلم كل ما يصح أن يكون معلوما، وما يصح أن يكون معلوما لا نهاية له، فلا يجوز أن يخفى عليه شئ بوجه من الوجوه.
(هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم [6])..
اللغة: التصوير: جعل الشئ على صورة لم يكن عليها. والصورة: هيئة يكون عليها الشئ في التأليف. وأصلها من صاره يصوره: إذا أماله، لأنها مائلة إلى هيئة بالشبه لها. والفرق بين الصورة والصيغة أن الصيغة عبارة عما وضع في اللغة، ليدل على أمر من الأمور، وليس كذلك الصورة، لأن دلالتها على جعل جاعل شيئا على بنية والأرحام: جمع رحم، وأصله الرحمة، وذلك لأنها مما يتراحم به ويتعاطف، يقولون: وصلتك رحم. والمشيئة: هي الإرادة.
الاعراب: (كيف): في موضع نصب على المصدر تقديره أي نوع يشاء.
وجملة يشاء في موضع الحال من يصور أي: يصوركم في الأرحام أي: يخلق صوركم في الأرحام شائيا مريدا أي نوع أراده.
المعنى: (هو الذي يصوركم) أي: يخلق صوركم (في الأرحام كيف يشاء) على أي صورة شاء، وعلى أي صفة شاء، من ذكر أو أنثى، أو صبيح أو دميم، أو طويل أو قصير. (لا إله إلا هو العزيز) في سلطانه (الحكيم) في أفعاله. ودلت الآية على وحدانية الله، وكمال قدرته، وتمام حكمته، حيث صور الولد في رحم الأم على هذه الصفة، وركب فيه من أنواع البدائع من غير آلة ولا كلفة. وقد تقرر في عقل كل عاقل ان العالم لو اجتمعوا على أن يخلقوا من الماء بعوضة، ويصوروا منه صورة في حال ما يشاهدونه ويصرفونه، لم يقدروا على ذلك، ولا وجدوا إليه سبيلا، فكيف يقدرون على الخلق في الأرحام؟ فتبارك الله أحسن الخالقين. وهذا الاستدلال مروي عن جعفر بن محمد " عليه السلام ".
(هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء