عليهم ما كانوا يحرمونه قبل نزولها اقتداء بأبيهم يعقوب " عليه السلام " عن السدي. وقيل:
لم يحرم الله عليهم في التوراة، وإنما حرم عليهم بعد التوراة بظلمهم وكفرهم، وكانت بنو إسرائيل إذا إذا أصابوا ذنبا عظيما حرم الله عليهم طعاما طيبا، وصب عليهم رجزا من الموت، وذلك قوله (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) عن الكلبي. وقيل: لم يكن شئ من ذلك حراما عليهم في التوراة، وإنما هو شئ حرموه على أنفسهم اتباعا لأبيهم، وأضافوا تحريمه إلى الله تعالى، عن الضحاك. فكذبهم الله وقال (قل) يا محمد: (فأتوا بالتوراة فاتلوها) حتى يتبين أنه كما قلت، لا كما قلتم (إن كنتم صادقين) في دعواكم. فاحتج عليهم بالتوراة، وأمرهم بالإتيان بها، وإن لم يقرأوا ما فيها. فإن كان في التوراة أنها كانت حلالا للأنبياء وإنما حرمها إسرائيل، فلم يجسروا على إتيان التوراة لعلمهم بصدق النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " وبكذبهم. وكان ذلك دليلا ظاهرا على صحة نبوة نبينا محمد " صلى الله عليه وآله وسلم "، إذ علم بأن في التوراة ما يدل على كذبهم من غير تعلم التوراة وقراءتها.
(فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك) أي: فمن افترى الكذب على الله تعالى من بعد قيام الحجة، وظهور البينة. (فأولئك) هم المفترون على الله الكذب، و (هم الظالمون) لأنفسهم بفعل ما أوجب العقاب عليهم. وإنما قال (من بعد ذلك)، مع أنه يستحق الوعيد بالكذب على الله على كل حال، لأنه أراد بيان أنه إنما يؤاخذ به بعد إقامة الحجة عليه، من كذب فيما ليس بمحجوج فيه، جرى مجرى الصبي الذي لا يستحق الوعيد بكذبه.
النظم: ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنها تفصيل للجملة المتقدمة، فإنه ذكر الترغيب في الانفاق من المحبوب والطعام مما يجب، فرغب فيه، وذكر حكمه، عن علي بن عيسى. وقيل: إنه لما تقدم محاجتهم في ملة إبراهيم، وكان فيما أنكروا على نبينا " صلى الله عليه وآله وسلم " تحليل لحم الجزور، وادعوا تحريمه على إبراهيم " عليه السلام "، وأن ذلك مذكور في التوراة، فأنزل الله هذه الآية تكذيبا لهم..
(قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين [95]).
اللغة: الاتباع: لحاق الثاني بالأول لما به من التعلق فالقوة للأول، والثاني يستمد منه. والتابع: ثان متدبر بتدبير الأول، متصرف بتصرفه في نفسه. وأصل